وَجعلهَا غنيمَة كَمَا هُوَ قَول الْأَكْثَرين كَأبي حنيفَة وَالثَّوْري وَأبي عبيد وَأحمد فِي الْمَشْهُور عَنهُ فَإِنَّهُم قَالُوا إِن رأى الْمصلحَة فِي جعلهَا غنيمَة قسمهَا بَين الْغَانِمين كَمَا قسما لنَبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَيْبَر وَإِن رأى أَن لَا يقسمها جَازَ كَمَا يقسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة مَعَ أَنه فتحهَا عنْوَة كَمَا شهِدت بذلك الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة والسيرة المستفيضة وكما قَالَه جُمْهُور الْعلمَاء وَلِأَن خلفاؤه بعده أَبَا بكر وَعَمْرو وَعُثْمَان فتحُوا مَا فتحوه من أَرض الْمغرب وَالروم وَفَارِس كالعراق وَالشَّام ومصر وخراسان وَلم يقسم أحد من الْخُلَفَاء شَيْئا من الْعقار المغنوم بَين الْغَانِمين لَا السوَاد وَلَا غير اسلواد بل جعلُوا الْعقار فَيْئا للْمُسلمين دَاخِلا فِي قَوْله {مَا أَفَاء الله على رَسُوله من أهل الْقرى فَللَّه وَلِلرَّسُولِ} الْآيَة وَلم يستأذونوا فِي ذَلِك الْغَانِمين بل طلب أكَابِر الْغَانِمين قسْمَة الْعقار فَلم يجيبوهم إِلَى ذَلِك كَمَا طلب بِلَال من عمر أَن يقسم أَرض الشَّام وَطلب مِنْهُ الزبير أَن يقسم أَرض مصر فَلم يجيبوهم إِلَى ذَلِك وَلم يستطب أحد من الْخُلَفَاء أحدا من الْغَانِمين فِي ذَلِك فضلا عَن أَن يَسْتَطِيب أنفس جَمِيع الْغَانِمين
وَهَذَا مِمَّا احْتج بِهِ من جعل الأَرْض فَيْئا بِنَفس الْفَتْح وَمن نصر مذْهبه كاسماعيل بن إِسْحَاق وَغَيره وَقَالُوا الأَرْض لَيست دَاخِلَة فِي الْغَنِيمَة فَإِن الله حرم على بني اسرائيل الْمَغَانِم وملكهم الْعقار فَعلم أَنه لَيْسَ من الْمَغَانِم وَهَذَا القَوْل يذكر رِوَايَة عَن أَحْمد كَمَا ذكر عَنهُ رِوَايَة ثلثة كَقَوْل الشَّافِعِي أيه يجب قسْمَة الْعقار وَالْمَنْقُول لِأَن الْجَمِيع مغنوم
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن مَكَّة لم تفتح عنْوَة بل صلحا فَلَا يكون فِيهَا حجَّة وَمن حكى عَنهُ أَنه قَالَ إِنَّهَا فتحت عنْوَة كصاحب الْوَسِيط وفروعه فقد غلط عَلَيْهِ وَقَالَ فِي السوَاد لَا أَدْرِي مَا أَقُول فِيهِ إِلَّا أَنِّي أَظن فِيهِ ظنا مَقْرُونا بِعلم وَظن أَن عمر استطاب أنفس الْغَانِمين لما روى من قصَّة الْمثنى بن حَارِثَة وَبسط هَذَا لَهُ مَوضِع آخر