فالقائل إِن الْقُدْرَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل يَقُول إِن الْمعاصِي مِمَّا لَا يُطَاق وَيَقُول كل أحد كلف حِين كَانَ مطيقا

وَكَذَلِكَ من زعم أَن تقدم الْعلم وَالْكتاب بالشئ يمْنَع أَن يقدر العَبْد عَليّ خِلَافه

وَكَذَلِكَ من يَقُول إِن الْعرض لَا يبْقى زمانين يَقُول إِن الِاسْتِطَاعَة الْمُتَقَدّمَة لَا تبقى رلى حِين الْفِعْل وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة لَيْسَ دَائِما فِي الْأَفْعَال الَّتِي أَمر الله بهَا أَو نهى عَنْهَا هَل يَتَنَاوَلهَا التَّكْلِيف

وَقد قدمنَا أَن الْقُدْرَة نَوْعَانِ وَأَن من يُطلق القَوْل بِأَن الِاسْتِطَاعَة لَا تكون إِلَّا مَعَ الْفِعْل فإطلاقه مُخَالف فِي الْمَسْأَلَة وَقَول ثَالِث كَانَ مُمْتَنعا لذاته كالجمع بَين النقيضين مُخَالف لما ورد فِي الْكتاب وَالسّنة كإطلاق الْخَيْر وَإِن كَانَ قد أطلق ذَلِك طوائف من المنتسبين إِلَى السّنة

وَمنع الاطلاق فِي ذَلِك مَنْقُول عَن شُرَيْح والقلانسي وَنقل عَن أبي حنيفَة وَهُوَ مُقْتَضى قَول الْأَئِمَّة

وَامْتنع أَبُو إِسْحَاق بن شاقلا وَحكى فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا ذكره عَن القَاضِي أبي يعلى الِاسْتِطَاعَة مَعَ الْفِعْل أَو قبله

وَهَذَا كَمَا أَن من قَالَ لَيْسَ للْعَبد إِلَّا قدرَة وَاحِدَة يقدر بهَا على الْفِعْل وَالتّرْك فَهُوَ بَاطِل وهم الْقَدَرِيَّة الَّذين يَقُولُونَ إِن العَبْد لَا يفْتَقر حَال الْفِعْل إِلَى الله يُعينهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا إوجده الْفِعْل وَأَن الله لَيْسَ لَهُ نعْمَة بهَا على من آمن بِهِ وأطاعه أَكثر من نعْمَته على من كفر بِهِ وَعَصَاهُ

وَاتفقَ أهل السّنة على تضليل هَؤُلَاءِ

ثمَّ النزاع بَينهم بعد ذَلِك مِنْهُ لفظى وَمِنْه اعتبارى كتنازعهم فِي أَن الْعرض هَل يبْقى زمانين أم لَا وبنوا عَلَيْهِ بَقَاء الِاسْتِطَاعَة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015