فرحم الله عبدا وصلت إليه هذه الرسالة, ولم يعالجها بالإنكار, وافتقر إلى ربه في كشف الحق آناء الليل [وأطراف] النهار, وتأمل النصوص في الصفات وفكر بعقله في نزولها, وفي المعنى الذي نزلت له, وما الذي أريد بعلمها من المخلوقات؟ ومن فتح الله قلبه عرف أنه ليس المراد إلا معرفة

الرب تعالى بها والتوجه إليه منها وإثباتها له بحقائقها وأعيانها كما يليق بجلاله وعظمته, بلا تأويل ولا تعطيل, ولا تكييف ولا تمثيل, ولا جمود ولا وقوف. وفي ذلك بلاغ لمن تدبر, وكفاية لمن استبصر, إن شاء الله تعالى".

وقال رحمه الله تعالى وأثابه خيرا مبينا أثر هذه العقيدة في قلب المؤمن بها:

" العبد إذا أيقن أن الله فوق السماء, عال على عرشه بال حصر ولا كيفية, وأنه الآن في صفاته كما كان في قدمه, صار لقلبه قبلة في صلاته وتوجهه ودعائه ومن لا يعرف ربه بأنه فوق سماواته على عرشه؛ فإنه يبقى ضائعا لا يعرف وجهة معبوده, لكن لو عرف بسمعه وبصره وقدمه ,

وتلك بلا هذا [الإيقان] معرفة ناقصة بخلاف من عرف أن إلهه الذي يعبده فوق الأشياء, فإذا دخل في الصلاة وكبر, توجه قلبه إلى جهة العرش منزها ربه تعالى عن الحصر مفردا له, كما أفرده في قدمه وأزليته, عالما أن هذه الجهات من حدودنا ولوازمنا, ولا يمكننا الإشارة إلى ربنا في قدمه

وأزليته إلا بها, لأنا محدثون, والمحدث لا بد له في إشارته إلى جهة, فتقع تلك الإشارة إلى ربه, كما يليق بعظمته, لا كما يتوهم هو من نفسه, ويعتقد أنه في علوه قريب من خلقه, هو معهم بعلمه وسمعه وبصره, وإحاطته وقدرته ومشيئته, وذاته فوق الأشياء, فوق العرش, ومتى شعر قلبه بذلك في الصلاة أو التوجه أشرق قلبه, واستنار, وأضاء بأنوار المعرفة والإيمان, وعكسته أشعة العظمة على عقله وروحه ونفسه فانشرح لذلك صدره وقوي إيمانه ونزه ربه عن صفات خلقه من الحصر والحلول وذاق حينذاك شيئا من أذواق السابقين المقربين بخلاف من لا يعرف وجهة معبوده وتكون الجاذبة راعية الغنم أعلم بالله منه فإنها قالت: "في السماء" عرفته بأنه على السماء, فإن "في" تأتي بمعنى "على", فمن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015