وأنبياء كانوا أحب الخلق إلى الله ولم يكونوا ذوي رئاسة عامة، كزكريا ويحيى وشمويل الذي كان طالوت في زمنه صاحب رئاسة عامة بنص إلهي، وأيضا يحتمل أن أبا بكر لعله لم يكن في ذلك الحين حاضرا في المدينة المنورة والدعاء كان خالصا بالحاضرين دون الغائبين بدليل قوله «اللهم ائتني» لأن إحضار الغائب من مسافة بعيدة في آن قصير لا يعقل إلا طريق خرق العادة، والأنبياء لا يسألون الله خرق العادة إلا في وقت التحدي، وإلا لما احتاجوا في الحرب والقتال إلى تهيئة الأسباب الظاهرة. ويحتمل أن يراد التبعيض بذلك كما في قولهم فلان أعقل الناس وأعلمهم وأفضلهم. وعلى تقدير دلالته على المدعى لا يقاوم الأخبار الصحاح الدالة على خلافة أبي بكر وعمر، مثل «اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر» (?) وغير ذلك.
الحديث الخامس: رواية جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أنا مدينة العلم وعلي بابها» (?) وهذا الخبر أيضا مطعون فيه، قال يحيى بن معين: لا أصل له، (?) وقال البخاري إنه منكر، وليس له وجه صحيح. (?) وقال الترمذي إنه منكر غريب. (?) وذكره ابن الجوزي في الموضوعات. (?) وقال ابن دقيق العيد: لم يثبتوه. (?) وقال النووي والذهبي والجزري إنه موضوع. (?) فالتمسك بالأحاديث الموضوعة مما لا وجه له، إذ شرط الدليل اتفاق الخصمين عليه. ومع هذا ليس مفيدا لمدعاهم إذ لا يلزم أن من كان باب مدينة العلم فهو صاحب رئاسة عامة بلا فصل بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، غايته أن شرطا من شروط الإمامة قد تحقق فيه بوجه أتم، ولا يلزم من تحقيق شرط واحد وجود المشروط بالشروط الكثيرة، مع أن ذلك الشرط كان ثابتا في غيره أيضا أزيد منه برواية أهل السنة مثل «ما صب الله شيئا في صدرى إلا وقد صببته في صدر أبي بكر» (?) ونحو «لو كان بعدي نبي لكان عمر» (?) فإذا اعتبرت روايات أهل السنة فليتعبر كلها، وإلا فلا ينبغي أن يقصد إلزامهم برواية واحدة من رواياتهم.
الحديث السادس: وهو ما رواه الإمامية مرفوعا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في بطشه، وإلى