هذه المرتبة قط، وهي تنافي الخلافة لأنها نيابة للنبي ولا مناسبة بين الأصالة والنيابة في القدر والشرف، فقد علم أن الاستدلال على خلافة الأمير من هذا الطريق لا يصح أبدا. وأيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما شبه الأمير بهارون - ومعلوم أن هارون كان خليفة في حياة موسى بعد غيبته، وصار يوشع بن نون وكالب بن يوقنا (?) خليفة له بعد موت موسى - لزم أن يكون الأمير أيضا خليفة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد غيبته لا بعد وفاته، بل يصير غيره خليفة بعد وفاته حتى يكون التشبيه على وجه الكمال، إذ حمل التشبيه في كلام الرسول على النقصان غاية عدم الديانة والعياذ بالله. ولو تنزلنا قلنا ليس في هذا الحديث دلالة على نفي إمامة الخلفاء الثلاثة، غاية ما في الباب أن استحقاق الإمامة يثبت به للأمير ولو في وقت من الأوقات، وهو عين مذهب أهل السنة، فالتقريب به أيضا غير تام. (?)
الحديث الثالث: رواه مرفوعا أنه قال «إن عليا مني وأنا من علي، وهو ولي كل مؤمن بعدي» وهذا الحديث باطل، لأن في إسناده أجلح (?) وهو شيعي متهم في روايته. وأيضا غير مقيد بالوقت المتصل بزمان وفاته - صلى الله عليه وسلم -، ولفظ «بعدي» يحتمل الاتصال والانفصال (?) وهو مذهب أهل السنة القائلين بأن الأمير كان إماما مفترض الطاعة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقت من الأوقات.
الحديث الرابع: رواه أنس بن مالك أنه كان عند النبي - صلى الله عليه وسلم - طائر قد طبخ له وأهدي إليه فقال «اللهم ائتني بأحب الناس إليك يأكل معي هذا الطير» فجاءه علي. (?) وهذا الحديث قد حكم أكثر المحدثين بأنه موضوع، وممن صرح بوضعه الحافظ شمس الدين الجزري، (?) وكذلك الذهبي في تلخيصه. (?) ومع هذا فهو غير مفيد للمدعى أيضا، لأن القرينة تدل على أن المراد بأحب الناس إلى الله في الأكل مع النبي - صلى الله عليه وسلم -. ولا شك أن الأمير كان أحبهم إلى الله في هذا الوصف، لأن أكل الولد ومن حكمه مع الأب يكون موجبا لتضاعف اللذة بالطعام. وإن سلمنا أن يكون المراد بأحب الناس مطلقا فإنه لا يفيد المدعى أيضا، إذ لا يلزم أن يكون أحب الخلق إلى الله صاحب الرئاسة العامة، فكأين من أولياء