قَالَ: بَعْضُهُمْ 1: "وَلِهَذَا الْمَعْنَى تَوَزَّعَتْ الصَّنَائِعُ وَانْقَسَمَتْ الْحِرَفُ عَلَى2 الْخَلْقِ. فَكُلُّ وَاحِدٍ قَصَرَ وَقْتَهُ عَلَى حِرْفَةٍ يَسْتَقِلُّ3 بِهَا، لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلْقِ لا يُمْكِنُهُ أَنْ يَقُومَ بِجُمْلَةِ مَقَاصِدِهِ. فَحِينَئِذٍ لا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ حَاجَتِهِ حَاضِرَةً 4 عِنْدَهُ أَوْ غَائِبَةً بَعِيدَةً عَنْهُ. فَإِنْ 4 5 كَانَتْ حَاضِرَةً 5 أَشَارَ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَائِبَةً، فَلا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَدُلَّ بِشَيْءٍ6 عَلَى مَحَلِّ حَاجَتِهِ. فَوَضَعُوا الْكَلامَ دَلالَةً، وَوَجَدُوا7 اللِّسَانَ أَسْرَعَ الأَعْضَاءِ حَرَكَةً وَقَبُولاً لِلتَّرْدَادِ، وَكَانَ الْكَلامُ إنَّمَا يَدُلُّ بِالصَّوْتِ. وَكَانَ الصَّوْتُ إنْ تُرِكَ سُدًى، امْتَدَّ وَطَالَ، وَإِنْ قُطِعَ تَقَطَّعَ، قَطَّعُوهُ8 وَجَزَّءُوهُ عَلَى حَرَكَاتِ أَعْضَاءِ الإِنْسَانِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا الصَّوْتُ، - وَهِيَ مِنْ أَقْصَى الرِّئَةِ إلَى مُنْتَهَى الْفَمِ-. فَوَجَدُوهُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ حَرْفًا، قَسَّمُوهَا عَلَى الْحَلْقِ وَالصَّدْرِ، وَالشَّفَةِ وَاللِّثَةِ.
ثُمَّ لَمَّا رَأَوْا9 أَنَّ الْكِفَايَةَ10 لا تَقَعُ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ رَكَّبُوا مِنْهَا ثُنَائِيًّا وَثُلاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا وَخُمَاسِيًّا وَاسْتَثْقَلُوا11 مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ"12.