وَلَمَّا خَلْقَ اللَّهُ تَعَالَى النَّوْعَ الإِنْسَانِيَّ، وَجَعَلَهُ مُحْتَاجًا لأُمُورٍ لا يَسْتَقِلُّ بِهَا، بَلْ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الْمُعَاوَنَةِ: كَانَ لا بُدَّ لِلْمُعَاوِنِ مِنْ الاطِّلاعِ عَلَى مَا فِي نَفْسِ الْمُحْتَاجِ بِشَيْءٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ: مِنْ لَفْظٍ، أَوْ إشَارَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ مِثَالٍ أَوْ نَحْوِهِ1.
إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَ "اللُّغَةُ" فِي الدَّلالَةِ عَلَى ذَلِكَ "أَفْيَدُ" أَيْ أَكْثَرُ فَائِدَةً "مِنْ غَيْرِهَا" لأَنَّ اللَّفْظَ يَقَعُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ، وَالْحَاضِرِ الْحِسِّيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ "وَأَيْسَرُ لِخِفَّتِهَا" لأَنَّ الْحُرُوفَ كَيْفِيَّاتٌ تَعْرِضُ لِلنَّفَسِ الضَّرُورِيِّ، فَلا يَتَكَلَّفُ لَهَا مَا يَتَكَلَّفُ لِغَيْرِهَا2.
"وَسَبَبُهَا" أَيْ سَبَبُ وَضْعِهَا "حَاجَةُ النَّاسِ" إلَيْهَا. قَالَ3 إلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ4: "إنَّ الإِنْسَانَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ مُكْتَفِيًا بِنَفْسِهِ فِي مُهِمَّاتِهِ وَمُقِيمَاتِ مَعَاشِهِ: لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَسْتَرْفِدَ الْمُعَاوَنَةَ5 مِنْ غَيْرِهِ * وَلِهَذَا الْمَعْنَى اتَّخَذَ النَّاسُ الْمُدُنَ لِيَجْتَمِعُوا وَيَتَعَاوَنُوا"6. انْتَهَى.