الأَكْرَمِينَ الأَعْيَان، صَلاةً وَسلامًا دَائِمَيْنِ مُتَلازِمَيْنِ مُتكَرَّرينِ كُلَّ وَقْتٍ إلى آخِرِ الزَمَانِ.
وَبَعْدُ: فَلَمَّا رَأَيْتُ هِمَمَ العِبَادِ عن العُلُومِ قَدْ قَصُرَتْ، واشْتِغَالاتِهِمْ باللَّهْوِ والشَّهَواتِ قَدْ كَثُرَتْ، واجْتِهَادَهُمْ في جَمْع الدُّنيا واقْتِنَاصِها في أَعْلَى الطبَقَاتِ، وَرَغْبَتَهُمْ في الآخِرَةِ والقُرْبِ مِنْها في أَسْفَلِ الدَّرَكَاتِ، وَعَلِمْتُ أنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بالعِبَادَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَأَّنَّهُمْ لا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْها ولا انْتِقَالَ، وأنَّ مَعْرِفَةَ الحَلالِ والحَرَامِ أَمْر لا يَكْرَهُهُ إلَّا المُبْطِلُونَ، ولا يَسْتَبِيحُ الجَهْلَ بِهِ إلَّا المُضِلُّوْنَ، اسْتَخَرْتُ اللَّهَ، وَسَأَلْتُهُ الهِدَايَةَ والسَّدَادَ، والتَّوْفِيقَ لِتَأْلِيفِ كِتَابٍ مُخْتَصَرٍ جَامعٍ لِلْفِقْهِ وَغَيْرِهِ مِنْ مُهِمَّاتِ العِبَادَةِ التي لا يَنْفَعُ غَيْرُهَا يَوْمَ التَّنَادِ، عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ أَحْمَدَ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ حَنْبَلٍ ذِي الجِدِّ والاجْتِهَادِ، مُقْتَصِرًا فيه على رُبْعِ العِبَادَاتِ المَأْمُورِ بها كُلُّ مُقِيمٍ وَبَادٍ. وأَتْبَعْتُهَا بالبَيع والسَّلَمِ لِإعَانَتِهِمَا المُتَّقِيَ عَلَى تَحْصِيل الحَلالِ مِنَ المَتَاعِ والزَّادِ، وَأَرْدَفْتُهُمَا (?) بِكِتَابٍ في الآدَابِ لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهِ لِلصَّالِحِينَ مِنَ العُبَّادِ، وَجَعَلْتُ آخِرَ الكِتَابِ خَاتِمَةً في مَعْرِفَةِ اللهِ تَعَالى، وَمَا يَجِبُ عَلَى المُكَلّفِينَ مِنَ الاعْتِقَادِ، وَلَمْ أَذْكُرْ فيه إلَّا القَوْلَ الصَّحِيحَ في المَذْهَبِ وَما عَلَيْهِ الفَتْوى عِنْدَ الأَئِمَّةِ النُّقّادِ لِيَقْرُبَ تناوُلُهُ وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ عَلَى أَهْلِ الاشْتِغَالِ مِن طَالبِي الِإرشَادِ، وأَوْضَحْتُهُ غَايَةَ الإِيضَاحِ رَجَاءَ