التبرج السافر الذي يراه كل أحد له ألوان متعددة، فمنه: أولاً: التبرج الحضاري العصري، وهو أن تلبس المرأة عباءة تصف أجزاءها وأعضاءها، بأن تكون على الكتف فتحده وتظهر العضو أمام الرجال، فهذا من التبرج بمكان؛ لأنه يصف.
أيضاً: إن كان اللباس ضيقاً فإنه يظهر أجزاء المرأة وأعضاءها فهذا تبرج.
وأيضاً: النقاب الذي إلى الوجنة؛ ليظهر بياض البشرة مع سواد النقاب، فإنه يفتن الرجال وإن كانوا ملتزمين، فالنقاب لا يجعل للمرأة احترامها وكرامتها، فإنه يجعل الرجال يغازلونها ويعاكسونها، خاصة إذا لم يكن وليها رقيباً عليها، ولم تحترم نفسها، لأن النقاب في حد ذاته فتنة، فلو ألبست بقرة النقاب وأظهرت عينيها فقط، فإن الإنسان سيفتتن بها؛ لأنه شغوف فيما أخفي عنه، فللمرأة أن تتقي الله في زيها وأن تنتقب النقاب الصحيح، بأن ترفعه إلى العين، وإن كانت لا تستطيع الرؤية بذلك فتفعل بما قاله ابن عباس بأن تغطي العين اليمنى وتبقي العين اليسرى فقط؛ لترى بها، ولا تظهر شيئاً من الوجنة أو من الحاجب أو من الجبين؛ حتى لا تفتن ولا تفتن.
إذاً: المخالفة الأولى هي في الزي الذي ترتديه المرأة المنتقبة، بأن يكون ضيقاً بحيث يحد أو يصف العضو، أو تلبس العباءة على الكتف فتصف جسدها فيكون هذا من التبرج بمكان، أو تلبس النقاب المشهور الآن مع خلع القفازين، فإن كانت المرأة لا تعتقد وجوب النقاب، فالأفضل لها أن تخلعه وتكون سافرة الوجه؛ لأنَّ هذا النقاب يثير غرائز الرجال.
ثانياً: خروج المرأة المنتقبة إلى المساجد، فإنها تقع عند ذلك في مخالفات، أهمها: التطيب أو التعطر، وللمرأة في نساء الأنصار أسوة حسنة، لما أنزل الله جل في علاه: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:59]، وقال الله تعالى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:31] قالت عائشة: رحم الله نساء الأنصار عمدن إلى مروطهن فتلفعن بها.
وفي الرواية في الصحيح قالت: كن يصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم الفجر متلفعات بمروطهن -ثم وصفت وصفاً عجيباً لا بد لكل امرأة أن تدقق في هذا الوصف- كأنهن الغرابيب السود.
فالغراب الأسود لا يرى منه أي شيء إلا العين، فعلى المرأة أن تتحلى بهذا الزي ويكون لها أسوة بنساء الأنصار وتسارع لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا خرجت المرأة إلى المسجد، فلا بد لها أن تتأدب بآداب الخروج إلى المساجد، بعدم التطيب أو التعطر وللمرأة طيبان: الطيب الأول: لون لا رائحة فيه.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (طيب المرأة لون لا رائحة فيه، وطيب الرجال رائحة ليس فيه لون) إن صح الأثر، لكن الصحيح الراجح أن للمرأة طيبين، الطيب الأول: طيب لا رائحة فيه، أي: له لون دون رائحة.
والطيب الثاني: له رائحة، وهذا محظور عليها أن تتطيب به، فإن خرجت متعطرة أتاها الوعيد الشديد، وهذا من الكبائر، فلو وضعت الطيب في إصبعها أو تحت الأذن وخرجت إلى المسجد أو إلى غيره، فقد فعلت كبيرة مثل الزنا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمى ذلك زنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرجت المرأة متعطرة أو قال: إذا تطيبت المرأة وخرجت ليجد القوم ريحها فهي زانية) وهذا تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يحتاج إلى أدنى تأويل.
فقوله صلى الله عليه وسلم الله: (ليجد القوم ريحها) يعني: أن تكون قاصدة لذلك.
والأعجب من ذلك: أن المرأة إذا خرجت متطيبة ودخلت المسجد وصلت صلاة العصر -مثلاً- فصلاتها باطلة، وهذا من العجب بمكان إذ أن الصلاة صحيحة بشروطها وأركانها، ومع ذلك فصلاتها باطلة، وهذا على القول الراجح من أقوال العلماء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تطيبت المرأة فخرجت إلى المسجد لا تقبل صلاتها حتى تغتسل).
وهذه الرواية عن أبي هريرة، فالراوي أعلم بما روى، فـ أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه رأى امرأةً خرجت من المسجد فاشتم طيبها، فقال لها: أصليتِ العشاء؟ قالت: نعم.
قال: ارجعي فاغتسلي فأعيدي صلاتك، وروى قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا تطيبت المرأة فخرجت إلى المسجد لا يقبل الله صلاتها حتى تغتسل).
إذاً: فالمخالفة الثانية التي تقع فيها النساء: خروجهن متطيبات، فلا يصح لهن الخروج متطيبات حتى يغتسلن، وتضيع هذه الرائحة، حتى ولو كانت الرائحة رائحة الصابون الذي تغتسل به المرأة، فلا يخرجن إلى المساجد إلا تفلات، ومن باب أولى أن لا يخرجن إلى الأسواق إلاّ تفلات؛ لأن هذا المحظور إن كان في المساجد فهو في الأسواق والمجتمعات يكون أشد حظراً.