الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فقد قالت فتاة في السادسة من عمرها لجدتها: من حسن حظي أني وحيدة لا إخوة لي ولا أخوات.
فأجابت الجدة: ولم يا عزيزتي؟ ألا تظنين أن من الأمور الحسنة أن يكون للإنسان إخوة وأخوات؟! وكان
صلى الله عليه وسلم نعم.
قد يكون الأمر حسناً، ولكن معنى وجود الإخوة والأخوات هو تشاجرهم وعراكهم ومقاتلتهم طوال الوقت.
إن الشجار بين الإخوة هو أحد أشكال الإزعاج الأكثر شيوعاً في الأسرة، إلا أن التشاحن يمثل في الواقع مرحلة طبيعية من النمو، فأطفال السنتين يضربون ويدفعون ويخطفون الأشياء، بينما يستعمل الأطفال الكبار أسلوب الإغاظة، فهم يسيئون لبعضهم من وقت لآخر عن طريق اللغة.
إن الولد -كغيره من الأطفال- لا يستطيع أن يحتفظ بيديه ساكنتين إذا ما كانت أخته قريبة منه، وأخته بالرغم من تفوقه عليها في الحزم والقوة لديها طرائقها الخاصة للانتقام منه، إن كل واحد منهما يبدو كأنه قدير بما يضايق الآخر، ويسر باللجوء إليه، ويدرك حرصه على أشيائه الخاصة، وحرصه على احتلال المكان المعين في المائدة أو السيارة، فيعرف كيف يغيظ الطرف الآخر ويستفزه.
والآباء يضجون من مشاجرات الأبناء لما يحدثونه من ضوضاء وجلبة في المنزل، ولأنهم يشغلون الآباء عن أداء ما يقومون به، أو يمنعونهم عن الراحة أو الاسترخاء، فيثورون على الأبناء، وقد يلجئون إلى أسلوب عنيف في وضع حد لمشاجرات الأطفال، بل قد يدمغون طفلاً منهم بأنه حقود أو أناني، وأنه سيفشل في حياته لأنه لا يتعاون، بل قد يعيره الآباء بسلوكه هذا في غير أوقات الشجار حاسبين بذلك أن شجار الأطفال أمر غير طبيعي، وأن الأولاد يميلون عادة إلى الشجار أكثر من البنات، وأنهم يتشاجرون مع أقرانهم مهما كانت أواصل الصداقة تربطهم.
نقول للمربي: لا تنزعج؛ إنها مرحلة طبيعية، إن أي أسرة لديها طفلان أو ثلاثة نجدهم دائماً في مناوشات وخلافات، يتألم الأب وتتألم الأم؛ لأن الأبناء ليسوا أصدقاء وليست علاقاتهم طيبة.
و Q هل ظاهرة اختلاف الأطفال مع بعضهم ظاهرة طبيعية، بمعنى: أيُّ الأوضاع يعتبر الوضع الطبيعي: أن يتعاونوا مع بعضهم وأن لا يختلفوا؟ أم أن الوضع الطبيعي هو أن يتشاجروا وللإجابة عن هذا السؤال نجري تجربة صغيرة، وهي أننا نجمع ثلاثة أو أربعة أولاد معاً في حجرة واسعة مجهزة بكل ألوان اللعب والتسلية، ونغلقها لفترة، ترى ماذا ستكون النتيجة؟ بكل تأكيد سيتشاجرون، سواء أكانوا إخوة أم غير إخوة.
إذاً المسألة ظاهرة طبيعية وعادية، ويجب أن لا يقلق الآباء والأمهات، ويجب أن تراعى برفق ووعي؛ لأنها لا تكون في فترة الطفولة فقط، إنما تمتد للصبا والشباب.
إن أول ما تنصح به الأم أن تتخلى عن تصورها المثالي بأن يكون أطفالها على أتم وفاق ولا يتخاصمون أبداً، إن الأم إن واجهت الحقيقة الواقعية فإن قلقها بخصوص خصام الأطفال وتشاجرهم سوف يتضاءل.
إن الطفل ذا الست إلى عشر سنوات الذي يصر على الخصام مع إخوته وعلى عدم التحسن في هذا الشأن لا يزال إنساناً عادياً، فكل الإخوة -لاسيما المتقاربين منهم في العمر- لابد أن يتشاجروا، وتقل عادة هذه المشاجرات كلما تقدم الأطفال في السن.