انعكاس سلوك الآباء على الأبناء

إن سلوك الأب ينعكس على الأطفال، وكلمة الأب أعني بها: الأب أو الأم، إن الذي يحصل من الأطفال إنما هو تقمص لشخصية الأب أو الأم، والتقمص أعني به التوحد، وهي أعلى درجات التقليد والمحاكاة، هذا هو ما يسمى بالتقمص، فالطفل يرى أن أباه أو أمه أكمل الناس في العالم؛ لأن هذه هي البيئة التي يراها حالياً، فدائماً -كما هو المفروض- هم المثل الأعلى له، وكل ما يعملانه صحيح، وطريقتهما هي الطريقة السوية في التفاعل مع البيئة من حوله.

مثلاً: لو أن أباه إذا تأخر الأكل عن وقته، أقام عاصفة في البيت هوجاء لا تتناسب مع الخطأ أو التقصير، فهذا مؤثر ضعيف جداً وتافه لكن رد فعله مبالغ فيه جداً، صراخ وعراك ومشاكل؛ فسوف يتعلم الطفل أنه يغضب أيضاً لأتفه الأسباب، ويعبر عن غضبه بهذا السلوك وأمثاله مقابل أتفه الأسباب؛ فيتقمص نفس السلوك، وممكن أن يقلده مع أفراد آخرين في المدرسة أو إخوته أو أصحابه، فيفهم من سلوك الأب العصبي أو الأم: أنه عندما لا يحقق طلبي أثور وأغضب وأنفعل، فنقطة هدوء الأب واتزانه -وكذلك الأم- أمام الطفل أمر مهم جداً.

الطفل أحياناً يسرق سلوك الأب، مثال: وجود طفل آخر يعني بقاء العناد كوسيلة لإثبات الذات لجذب الأنظار إليه، ويريد أن يبقى محطاً للاهتمام بين الأسرة وإخوته أو أقاربه؛ فيرى أن العناد وسيلة لإثبات الذات وتحدي البيئة.

عندما يكون العناد وسيلة لأن يثبت الطفل وجوده وذاته، فهذا يعتبر الوجه الحسن للعناد؛ لأن العناد له وجه قبيح ووجه حسن، فالوجه القبيح تكلمنا عنه.

أما الوجه الحسن من العناد فإنه يعتبر دلالة على أن الطفل هذا يكتشف نفسه، وأنه له كيان مستقل عن الكبار، وهذا يشجع فيه الفردية والشجاعة والاستقلالية، فهذا الوجه الحسن من عناده، لأنه يقول: هأنذا، أنا موجود، أنا مشتكي إلى ربي، وهذا نمو طبيعي؛ فيبدأ يشعر بذاته وباستقلاليته وبشخصيته، فهو يعبر بطريقة غير سليمة عن معنى صحيح وهو الذاتية، لكن طريقة التعبير بالتحدي والعناد لابد أن نعدلها، فإن العناد والتحدي والغضب ليست هي الطريقة السوية لتحقيق المطالب؛ لأن الحياة أخذ وعطاء، فالإنسان إذا تعود الأخذ والعطاء يرضى عن ذاته, ويرضى عنه الآخرون المحيطون به، ويتعود على التعاون والتفاهم مع الآخرين.

قد ينشأ العناد أو الشجار أو الغضب بسبب الشعور بالنقص أو الغيرة أو الشعور بالاضطهاد سواء من أحد إخوته الكبار أو من الولدين، فالعناد والشجار والغضب في هذه الحالة هو تعبير عن عدم النضج، أي: أن الطفل يواجه هذه المواقف بالعناد والتحدي والصراخ وغير هذه الأشياء، فيقول بطريقة غير مباشرة: أنا ما زلت متأخراً في النضج الاجتماعي، وما زلت بحاجة إلى التعلم والأخذ والعطاء والنمو الاجتماعي؛ لأنه يتعامل بطريقة بدائية، ولا يواجه المشكلة المواجهة السلمية.

من أسباب العناد أيضاً: الأم العصبية؛ فهي قد تنتج طفلاً عنيداً، ربما يكون في حياتها أي سبب من أسباب المعاناة مع زوجها أو أسرتها أو نحو ذلك، فتنتج طفلاً عنيداً؛ لأنها تخرج معاناتها بمن صادفها، وأولهم الطفل، بالصراخ أو العويل أو الضرب؛ فتنتج معركة غير متكافئة بين طرفين: الأم العصبية؛ لأن لديها معاناة من شيء آخر، لكنها تنفذ في الطفل العقوبة كمن أغضبه مدير عمله، فهو يضطهده أو يؤذيه، فيفرغ غضبه في الموظف الذي تحت يديه، ويجعل هذا إزاحة للمعاناة التي يعانيها، لديه مشاكل تضيق نفسه بها فيجد في هذا فرصة للتنفيس.

فالأم العصبية تجد المتنفس مع هذا الولد المسكين، فتحصل معركة غير متكافئة؛ لأن الأم أقوى، وأسلحتها أقوى، فلو ضربته ستغلبه، ولو صرخت فصوتها أعلى منه إلى آخره، والثاني ضعيف، لكن الضعيف له أسلحة كما أن للقوي أسلحة، وكل منهما يتعامل بالأسلحة التي يقدر عليها، والطفل في هذه الحالة سلاحه يختاره هو، فهو يضايقها في الشيء الذي يستفزها، أو عن طريق العناد والتحدي والصراخ والبكاء إلى آخره، فيعاندها كي يضايقها، فعندما يضايقها يكون قد أخذ بثأره، ولا يهمه بعد ذلك انضرب أم لم ينضرب، ولا يهمه ما سيحصل له، هذه تكون النتيجة.

الخلاصة: أن الأم تنزع فتيل هذه المشكلة إذا تخلت عن العصبية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015