Q شخص ملتزم ومتعبد ويفعل الخير، لكنه يكره أبويه ويحب موتهما، ولا يعرف هل يدعو عليهما أم لا، ويذكر بعض الأخطاء التربوية التي ارتكبها الأبوان في الصغر من تمييز إخوته عليه إلى آخره، وأن أباه وأمه لم يربوهم كما ينبغي؟
صلى الله عليه وسلم هذا نوع من العقوق؛ لأن بر الوالدين واجب بالعقل، ثم جاءت الشريعة بنصوص قاطعة في وجوب بر الوالدين، وأجل ما يؤكد ذلك قول الله سبحانه وتعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ} [لقمان:14] إلى قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان:15].
فقوله تعالى: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وارد مع هذين الأبوين اللذين يدعوانه إلى الشرك، بل يجاهدانه على أن يشرك بالله، ومع ذلك قال: (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا)، فلا طاعة لمخلوق في معصية الله، لكن مع ذلك أمر بمصاحبة أمثال هذين الوالدين بالمعروف؛ فهل ما فعله أبواك يصل إلى حد أن يجاهداك على الشرك، حتى تصل إلى هذه الدرجة من العقوق؟ هذا أولاً.
ثانياً: صحيح أنك تتحدث على النواحي التربوية كثيراً لأهميتها وفائدتها، فحتى لو كان قد أخطأ الأب أو الأم في أسلوب تربية الطفل فإنه لا يسقط حقه في البر؛ لأنه أحسن إليك الإحسان الذي لا يمكن أن تجازيه عليه، وهو أنه تسبب في وجودك في هذه الحياة، فهذه نعمة وإحسان لا تقدر على الوفاء به مع ما فعل.
ثالثاً: الإنسان لا يعيش تأثير الماضي دائماً، وهناك من يحصر نفسه في الماضي، ويحب تحويل مآسي الماضي إلى حاضر يؤرقه ليل نهار، وأنه ضحية الماضي، فنقول له: دعنا في الحاضر وفي المكان الذي نحن فيه، لا ترجع إلى الوراء، وما مضى فات ومات، واندفن واندثر، فلا تتفرج إلى الماضي وأن أباك فعل كذا، وأمك فعلت كذا، وأنت ناقم عليهما، ففي الغالب أن الأب والأم اللذين يسيئان إلى طفلهما لا يقصدان أي نوع من أنواع الإساءة فعلاً، وهو صادر عن جهل، ولعل جهلهما يشفع لهما، لذا لا تتسرع بالانتقام ممن أحسن إليك أعظم الإحسان وهو أنه كان سبباً في وجودك، فهذا شعور غير سوي، فالأب والأم لا يأخذ الإنسان حقه منهما، أو يرفع قضية على أبيه ويقاضيه.
وهناك حدود للتعامل مع الأبوين؛ إذ ينبغي مراعاتهما، ولا داعي أن ينجر الإنسان وراء الماضي ويعيش أسيراً لأخطاء الماضي، بحيث يعجز عن أن يواجه مسئوليات الحياة الآن.
ويبدوا أن هذا السائل خائف من شؤم عقوق الوالدين، فإنه يقول في سؤاله: إنه يتمنى أن لا ينجب أطفالاً.
وسأل أكثر من مرة عن حكم منع الحمل نهائياً، لماذا؟ لأنك خائف أن هذا السلوك يتكرر منه بعد ذلك، إذاً: فأحسن إلى والديك تجد عاقبة ذلك في ذريتك، والله تعالى أعلم.