في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به" وهي عبارة مجملة، فسرها اليهود بمجئ رسول منهم، لا من ولد إسماعيل، وكأن الله تعالى جعل هذه العبارة مجملة، وألهمهم هذا التفسير حفظاً لهذه البشارة، لأنهم لو عرفوا أن الرسول المبشر به سيكون من ولد إسماعيل لأخفوها أو محوها وقد أثبتت الأيام أن الرسول المبشر به هو محمد - صلى الله عليه وسلم -.
ورد في الإنجيل ما يدل على انتقال النبوة من ولد إسحاق إلي ولد إسماعيل في قوله: "الحجر الذي رفضه البناءون قد صار رأس الزاوية، من قبل الرب كان هذا، وهو عحيب في أعيننا، كذلك اقول لكم: إن ملكوت الله ينزع منكم، ويعطي لأمة تعمل أثماره".
والحجر الذي رفضه البناءون كناية عن إسماعيل عليه السلام جد محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي قال: "مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنياناً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه، فجعل الناس يطوفون به، ويعجبهم البناء فيقولون: ألا وضعت ها هنا لبنة ليتم البناء؟ فأنا اللبنة جئت فختمت الأنبياء".
وقال المسيح عليه السلام للحواريين: "إن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون الآن أن تحتملوا وأما مت جاء ذاك - روح الحق - فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آيته".
ويؤخذ من المخطوطات التي عثر عليها بجوار البحر الميت كذلك أن عيسى كان مسيا المسيحيين وأن هناك مسيا آخر سيأتي بعده، وقد قال عنه المسيح: "ومتى جاء المعزى - البار قليط - فهو يشهد لي". ومحمد - صلى الله عليه وسلم - هو الذي جاء بعده، فشهد له وأنصفه، ودافع عنه وعن العقيدة الصحيحة التي جاء بها.
وقد جاء في إنجيل برنابا - الذي استبعدته الكنيسة في عهدها الأول، وحرم البا جلاسيوس قراءته سنة 492 م - ما يؤيد هذه المخطوطات ما فيها من إجمال قال: "فلما كان الناس قد دعوني الله، وابن الله - على أني كنت بريئاً في العالم - أراد الله أن يهزأ الناس في هذا العالم بموت يهوذا معتقدين أنني أنا الذي مت على الصليب لكيلا تهزأ الشياطين بي في يوم الدينونة وسيبقى هذا إلى أن يأتي محمد رسول الله،