قواتك في مدينة الجزائر وحدها؟ فأجابه العنابي: سأجند، عندما يحين الوقت، من المدن ومن جميع أنحاء البلاد. وسيكون في استطاعتي أن أجند ثلاثين ألف رجل. ويؤكد خوجة أن المترجم المذكور قد أخفى شخصين ليشهدا على هذه المحادثة (?).
بهذه الوسيلة أوقع الفرنسيون المفتي العنابي في الفخ، في زعمهم، ووجدوا له حجة على إقصائه من البلاد. وقد حضر خوجة وطلب من كلوزيل أن يمهل المفتي بعض الوقت حتى يبيع أملاكه وينهي التزاماته. ويبدو أنه كان من الأغنياء حيث يذكر خوجة أنه كان يملك العقارات والأثاث ولم يحصل له على عشرين يوما إلا بشق النفس وبتقديم ضمانات شخصية. وخلال هذه الفترة استطاع أن يقضي حاجاته. وفي آخرها غادر الجزائر إلى الاسكندرية. وقد كان اتخاذ مثل هذا الإجراء سبب في صمت السلطات التشريعية في البلاد كالقضاة والمفتيين، فهم لم يعودوا إلى الاحتجاج على خرق شروط التسليم خوفا من مصير المفتي العنابي.
وهكذا اختفى عنصر من عناصر المقاومة في مدينة الجزائر، ورغم أننا لا ندري مدى التأثير الذي نسب إلى المفتي العنابي بين العرب. فإن الظاهر أنه كان مبالغا فيه. ولكن وجود العنابي في سلطة الافتاء وشخصيته القوية وهمته العالية وجرأته على معارضة الاحتلال -كل ذلك لفتت إليه الأنظار وجعلته قادرا، في أعين أعدائه على الأقل، على القيام بثورة ضدهم تجعل وجودهم في الجزائر محل شك. لذلك قرروا ضربه قبل أن يضربهم. وقد استمرت هذه السياسة من كلوزيل إلى روفيغو إلى بوجو. وهي سياسة تقوم على إبعاد جميع العناصر (الخطرة) ذات النفوذ أو التي يمكن أن تلعب دورا اجتماعيا وسياسيا بين المواطنين، حتى يخلو الجو للسلطات الجديدة (?).