قال أعرابي: ما أشدّ جولة الرأي عند الهوى وفطام النفس عند الصبا، ولقد تصدّعت كبدي للمحبين فلوم العاذلين قرطة في آذانهم ونار مؤجّجة في أبدانهم، لهم دموع على المغاني كغروب «1» السواقي.
وقيل: كلّ شهوة تخطر فمداواتها سهلة ما خلا العشق.
شكا معلم سعيد بن مسلمة ولده إليه، فقال: إنه مشتغل بالعشق فقال: دعه فإنه يلطف وينظف ويظرف. وكان ذو الرياستين «2» يبعث أحداث أهله إلى شيخ يعلّمهم الحكمة، فقال لهم يوما: هل فيكم عاشق؟ قالوا: لا. قال: اعشقوا وإياكم والحرام فالعشق يفصح الفتى ويذكي ويسخي البخيل ويبعث على التنظيف وتحسين الملبس، فلما انصرفوا قال لهم ذو الرياستين: ما استفدتم اليوم؟ قالوا: كذا وكذا. قال: نعم. وإنّما أخذه ممّا روي أن بهرام جور كان له ابن أهّله للملك بعده، وكان ساقط الهمة رديء النفس سيء الخلق فغمّه ذلك، ووكل به من يعلّمه، فلم يكن يتعلّم. فقال معلمه: كنا نرجوه على حال فحدث منه ما أيأسنا وهو أنه عشق بنت المرزبان «3» فقال: الآن رجوت فلاحه.
ثم دعا أبا الجارية فقال: إنّي مستسر إليك سرا، فلا يعدونّك «4» . اعلم أنّ ابني عشق ابنتك وأريد أن أزوّجها منه فمرها بأن تطمعه من غير أن يراها فإذا استحكم طمعه فيها أعلمته أنها راغبة عنه لقلّة أدبه.
ثم قال للمعلم: خوّفه بي وشجّعه على مراسلة المرأة ففعلت المرأة ما أمرت به.
فقال الغلام في نفسه: أنا أجتهد في تحصيل ما أصل إليها به فأخذ في التأدّب وتعلم الشجاعة ثم قال أبوه للمؤدب شجّعه على أن يرفع أمرها، ويسألني أن أزوجها منه، ففعل فزوّجها من ابنه. وقال لا تزدرينّ بها في مراسلتها إليك فإني أمرتها بذلك وإنّ من صار سببا لعقلك فهو أعظم الناس بركة عليك.
قال العرجيّ «5» :
تجشّم المرء هولا في الهوى كرم