فأوحى الله تعالى إليه أن أطبخ اللحم بالبرّ وكل، فإني قد جعلت القوة فيهما قال ابن الرومي:
هلمّ إلى من عذبت طول ليلها ... بأضيق حبس في تنّور تعذّب
وقال آخر:
وقد ضربت حدّين وهي بريئة ... فقوموا إلى دفن الشهيدة تؤجروا
وقيل: الهريسة أوطأ فراش هيء لنبيذ. وللخوارزمي:
هل تنشطون لتنوريّة خنقت ... من أول الليل حتّى قلبها يجف
كأنّها وهي فوق الجام قد غرقت ... في دفنها، قمر بالشمس ملتحف
أو درهم فوقه الدينار منطبق ... أو لوح عاج على الزرياب مكتنف «1»
وقال أبو طاهر المأموني:
درّ نثير أسلاكه قطع ... في ماء ورد وصندل نقعا «2»
كان الثوريّ يعجب بالرؤوس ويسمّيها مرة عرسا لما تجمع من الألوان المختلفة الطيّبة، ومرّة الجامع، ومرّة الكامل ويقول: هو شيء واحد ذو ألوان عجيبة وأطعمة مختلفة. وقيل لأعرابي: تحسن أكل الرؤوس؟ فقال: نعم، أبخص عينيه وأقلع أذنيه وأفك لحييه وأشجّ شدقيه وأرمي بالعظم إلى من هو أحوج إليه منّي.
ودعا بعضهم آخر إلى دعوته، وقال: عندي رغف خوّارة ورؤوس فوّارة. ودعي رجل إلى أكل الرؤوس، فلما قام قال: أطعمكم الله من رؤوس أهل الجنة. وقال ابن الرومي:
هام وأرغفة وضاء ضخمة ... قد أخرجا من فاحم فوّار
كوجوه أهل الجنّة ابتسمت لنا ... مقرونة بوجوه أهل النّار
قيل: أضرّ الأطعمة للبدن الدماغ، فإنه يعلق بالمعدة ويتغرى ما بين غضونها، فلا يدخلها غداء ولا دواء إلا زلق عنها. والعرب تكره أكل المخ وتتعير به، وذلك قول الشاعر:
ولا ننتفي المخّ الذي في الجماجم
قال الأصمعي: كان أعرابي في يده عظم وعنده ثلاثة بنين، فقال للأكبر: إن أعطيتك هذا العظم ما تصنع به؟ قال: أتعرّقه حتى لا أدع لذرّ فيه مقيلا، قال الأوسط: أتعرّقه حتى لا يدري أهو لعامنا أم لعام أول، فقال الأصغر: أتعرّقه ثم أتمشّشه ثم أدقّه فأستفه، فقال: