ومر أمير المؤمنين بمقابر الكوفة فقال: السلام عليكم أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، أنتم لنا سلف ونحن لكم تبع. أما الأزواج فقد نكحت، وأما الديار فقد سكنت، وأما الأموال فقد قسمت، هذا خير ما عندنا فما خير ما عندكم؟ ثم التفت إلى أصحابه فقال: أما أنهم لو تكلموا لقالوا وجدنا خير الزاد التقوى.
ونظر الحسن إلى صبية بين جنازة أبيها تقول: يا أبت مثل يومك لم أره. فضمها الحسن وقال: أي بنية وأبوك مثل هذا اليوم لم يره، فبكى الخلق.
قال بعض الحكماء: ذهب أبوك وهو أصلك، وابنك وهو فرعك فما حال الباقي بعد ذهاب أصله وفرعه! وقال محمود في معناه:
وغادروك بلا أصل ولا طرف ... فما بقاؤك بعد الأصل والطرف
وقال أبو نواس:
ألا يا ابن الذين فنوا وماتوا ... أما والله ما ماتوا لتبقى
قال أبو حازم: إن امرأ ما بينه وبين آدم أب إلا ميت لمعرق في الموت.
قال لبيد:
فإن أنت لم ينفعك علمك فانتبه ... لعلّك تهديك القرون الأوائل
فإن لم تجد من دون عدنان باقيا ... ودون معد فلترعك العواذل «1»
وقال امرؤ القيس:
فبعض اللوم عاذلتي فإني ... سيكفيني التجارب وانتسابي
إلى عرق الثرى وشجت عروقي ... وهذا الموت يسلبني شبابي «2»
وقال أبو تمّام:
تأمّل رويدا هل تعدنّ سالما ... إلى آدم أو هل تعد ابن سالم
متى يرع هذا الموت عينا بصيرة ... تجد عادلا منه شبيها بظالم
وقال عمارة:
وما نحن إلا رفقة قد ترحلت ... لقصد وأخرى قد أنيخت ركابها
وقال البحتري:
وما أهل المنازل غير ركب ... مناياهم رواح وابتكار «3»