قال بعض الخلفاء لابن السماك: عظني وأوجز. فقال: اعلم أنك أول خليفة تموت وهذا كما سأل أزدشير بعض الحكماء عن دار بناها، وقال هل ترى فيها عيبا؟ فقال: نعم عيبا لا يمكنك إصلاحه، فقال وما هو؟ قال: لك منها خرجة لا عود بعدها أو دخلة لا خروج بعدها. وقال روح بن عبادة رأيت في منامي كأن قائلا يقول:
لا تكونوا كالأولى من قبلكم ... لم يخافوا بأسنا حتى نزل
وكتب أبو العتاهية على سقف بيته بتزويق:
أتطمع أن تخلد لا أبا لك ... أمنت قوى المنية أن تنالك
أما والله إنّ لها رسولا ... بها لو قد أتاك لما أقالك «1»
كأنّي بالتّراب عليك يحثى ... وبالباكين يقتسمون مالك
ولست مخلّفا في النّاس شيئا ... ولا متزوّدا إلا فعالك
وكان الحسن إذا خوف من الموت يقول للشيوخ: الزرع إذا بلغ لا بد أن يحصد.
ويقول للشبان: هل رأيتم زرعا لم يبلغ أدركته الآفة؟ وقيل أذكر حفرة سمكها قصير وساكنها أسير.
وقيل: من ضاق به أمر فليتذكر الموت فإنه يتسع عليه، ونحوه: من أحسن بأنه يموت فليس ينبغي أن يغتم لأمر صعب ينزل به.
وقيل لجعفر بن محمد عليهما السلام: كيف صار الموت يأخذ على فنون شتى، فقال: أحب الله أن لا يؤمن على حال. شكا رجل إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم قساوة قلبه فقال: أكثر من ذكر هادم اللذات فإنه ما ذكره أحد في ضيق إلا وسعه عليه ولا في سعة إلا ضيقها عليه.
وقال معبد الجهني: نعم نصيحة القلب ذكر الموت يطرد فضول الأمل ويكف غرب المنى ويهوّن المصائب ويحول بين القلب وبين الطغيان. وقيل: ما دخل ذكر الموت بيتا إلا رضي أهله بما قسم الله لهم وجدوا في أمر آخرتهم. وقيل: أبلغ العظات النظر إلى محل الأموات ومصارع البنين والبنات.
قال الحسن، وقد قعد عند رأس ميت: أن امرأ هذا آخره لأهل أن يزهد فيما قبله، وإن أمرأ هذا أوله لأهل أن يحذر ما بعده. وقف أعرابي على قبر هشام وخادم له يقول ما لقينا بعدك صنع بنا، فقال الأعرابي: ايها عليك أما أنه لو نشر لأخبر أنه لقي أشد مما لقيتم.