الحسين رضي الله تعالى عنهم: أطلب ما يعنيك ودع ما لا يعنيك. ففي تركه درك ما يعنيك فإنما تقدم على ما قدمت ولا تقدم على ما أخرت، فآثر ما تلقاه غدا على ما لا تلقاه أبدا. وقيل: الدنيا والآخرة في قلب المؤمن ككفتي الميزان إذا رجحت هذه خفت هذه. وقال يحيى بن معاذ: الناس ثلاثة، رجل يشغله معاده عن معاشه وتلك درجة العابدين ورجل يشغله معاشه عن معاده وتلك درجة الهالكين ومشتغل بهما وهي درجة المخاطرين. وقيل لعبد الله بن إبراهيم من أسخى الناس، فقال: من بذل دنياه في صلاح دينه. وقال صلّى الله عليه وسلّم: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني. وقال رجل: من جعل همه في الله هما واحدا جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا وجعل الغنى في قلبه وأتته الدنيا راغمة ومن شتت عليه همه شتت الله عليه ضيعته وجعل الفقر بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب الله له ثم لا يبالي في أي واد هلك.

الحثّ على مراعاة الدين والدّنيا ومدح فاعل ذلك

قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته ولا من ترك آخرته لدنياه، ولكن من أخذ منهما جميعا. وكان محمد بن علي يقول: اللهم أعنّي على الدنيا بالغنى وعلى الآخرة بالتقوى. وقال بعض العلماء: لست آمركم بترك الدنيا فترك الدنيا فضيلة وترك الذنب فريضة وأنت إلى إقامة الفرائض أحوج منك إلى اكتساب الفضائل. وقيل لعمر بن عبد العزيز: لم لا تنام، قال: إن نمت بالليل أضعت نفسي وإن نمت بالنهار أضعت الرعية. وقالت امرأة:

ولله مني جانب لا أضيعه ... وللهو منّي والخلاعة جانب

وقال ابن أبي حفصة لعمارة أنشدت المأمون قولي:

أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا ... بالدين والناس بالدنيا مشاغيل

فلم يهتم لذلك، فقال عمارة: ما زدت على أن صيرته عجوزا معتكفة في محرابها، فمن لأمور المسلمين هلّا قلت كجرير:

فلا هو في الدنيا مضيّع نصيبه ... ولا غرض الدنيا عن الدين شاغله

احتمال المضرة في العاجل رجاء المسرّة في الآجل

قال صلّى الله عليه وسلّم: لن تنالوا ما تحبون إلا بالصبر على ما تكرهون ولا تبلغون ما تهوون إلا بترك ما تشتهون. وقال عليه الصلاة والسلام: حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، احتمل مضرّة يومك لمسرّة غدك، العاقل يحتمل الضر في دار الفناء إيقانا بالنفع في دار البقاء. ولما تاب عتبة الغلام كان لا يتهنأ بطعام ولا شراب، فقالت له أمه: أرفق بنفسك، فقال: الرفق أطلب لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015