لما حبس يحيى وقيّد قال:
وإنّي من القوم الذين يزيدهم ... علوّا وفخرا شدة الحدثان
فقيل: في هذا الوقت تقول هذا؟ فقال: من مات قبل أجله حتى أكونه؟
وكتب رجل من السجن إلى الرشيد: ما مرّ يوم من نعيمك إلا ومرّ يوم من بؤسي والأمر قريب والسلام. وأن خلاخيل الرجال قيودها.
قال عوام بن حوشب صبّحنا إبراهيم التميمي إلى سجن الحجاج فقلنا: ما حاجتك؟ فقال: حاجتي أن تذكروني إلى الربّ الذي فوق الربّ الذي أمر يوسف أن يذكر عنده.
ولما حبس المأمون إبراهيم بن المهدي في يد أحمد بن أبي خالد، أخذ في الصلاة والعبادة فدخل عليه أحمد فقال: أمجنون تريد أن يقول المأمون هو يتصنع للناس فيقتلك؟
فقال: فما الرأي؟ قال: أن تشرب وتطرب وتحضر القيان. فأخذ في ذلك ثم دخل أحمد على المأمون فقال له: ما خبر النادر؟ قال أصون سمع أمير المؤمنين أن أخبره بما هو فيه فقال ما هو؟ قال: مكب على الشرب والجواري وتعاطي الجسارة. فقال: والله لقد شوقتني إليه فكان ذلك سببا لرضاه عنه. وقال علي بن الجهم:
قالوا حبست فقلت ليس بضائري ... حبسي وأيّ مهنّد لا يغمد «1»
أو ما رأيت الليث يألف غيله ... كبرا وأوباش السباع تردد «2»
والبدر يدركه السّرار فينجلي ... أيامه وكأنّه متجدّد
ولكلّ حال معقب ولربّما ... أجلى لك المكروه عمّا يحمد
والحبس ما لم تغشه لدنيئة ... شنعاء نعم المنزل المتودّد
بيت يجدد للكريم كرامة ... ويزار فيه ولا يزور ويحمد
قال أبو فراس:
ولله عندي في الإسار وغيره ... مواهب لم يخصص بها أحد قبلي
فقل لبني عمّي وأبلغ بني أبي ... بأنّي في نعماء يشكرها مثلي
وما شاء ربّي غير نشر محاسني ... وأن يعرفوا ما قد عرفت من الفضل
وقال أعرابي حبس:
ولا تحسبا حبس اليمامة دائما ... كما لم يدم عيش بحزن أبان