وَقد يَكْتَفِي الْإِنْسَان برد ادعائهم بِأَنَّهُم يجهلون الشَّرِيعَة وَكفى وَلَكِن نورد مَا يفند مزاعمهم لِئَلَّا يغتر بهَا من كَانَ مثلهم.
أما ادعاؤهم وجود الفوضى والرشوة وَغير ذَلِك من الْفساد فَلَيْسَ ذَلِك رَاجعا إِلَى عدم صَلَاحِية الشَّرِيعَة للْحكم. وَلَكِن مرجعه إِلَى تَعْطِيل الشَّرِيعَة وَفَسَاد الْحُكَّام وَفرق بَين فَسَاد الْحُكَّام ونظام الحكم كالفرق تَمامًا بَين ضعف الْمدرس وَضعف الْمنْهَج.
بل إِن قُوَّة الْمدرس تُعْطِي الْمنْهَج قُوَّة وحيوية وَكَذَلِكَ قُوَّة الْحَاكِم وَكَانَ الْإِصْلَاح السَّلِيم هُوَ إصْلَاح الْمُجْتَمع وإعداد الْحُكَّام والقضاة إعدادا سليما كَمَا فعل المستعمر لقانونه فَفتح كليات لتربي حماة لنظامه فَهَل فتحت معاهد خَاصَّة للقضاة الإسلاميين فِي جَمِيع المجالات شخصية ومدنية وجنائية.
ب _ وَأما تشعب الْقَضَاء الإسلامي بِتَعَدُّد الْمذَاهب فَإِن ذَلِك أوسع فرْصَة لوُجُود نُصُوص فقهية قضائية وَكَانَ الْإِصْلَاح هُوَ تَقْوِيَة الْقُضَاة أَي مرتبطا بِالْأولِ ليكونوا على حَالَة تمكنهم من إِيجَاد حل لكل قَضِيَّة مهما كَانَت وَمن أَي مَذْهَب كَانَ. وَإِن أحد هَذِه الْمذَاهب الَّتِي لَا تخرج فِي مجموعها عَن الْكتاب وَالسّنة واجتهاد سلف الْأمة لَهو أولى وَأَحْرَى ألف مرّة من أَخذ قانون أوروبي وَضعه محام فرنسي أَو افترضه مستعمر ظَالِم.
ج _ أما قسوة التشريع الإسلامي: فَهَذِهِ هِيَ محط الرحل وَهِي الَّتِي جعلت ناشئة القانون يتمسكون بِهِ ويفرون من تشريع بِلَادهمْ وَدين آبَائِهِم وأجدادهم. بل وَحقّ الله تَعَالَى عَلَيْهِم.