أُخَيَّ إنَّ الْخُطوبَ مُرْصَدَةٌ ... بالْمَوت لا بُدَّ مِنْهُ لِي ولَكا
ما عُذْرُ مَنْ لمْ تَنَمْ تَجاربُهُ ... وحَنْكَتْهُ الأُمورُ فاحْتَنَكا
خُضْتَ الْمُنى ثُمَّ صِرْتَ بَعْدُ إلى ... مَولاكَ في وَحْلِهِنَّ مُرْتَبِكا
ما أَعْجَبَ الْمَوتِ ثُمَّ أعْجَبُ مِنْـ ... ـهُ مُؤْمِنٌ مُوقِنٌ بهِ ضَحِكا
حُقَّ لأهْلِ الْقُبورِ مِنْ ثِقَتي ... إنْ حَنَّ قَلْبي إلَيهِمُِ وَبَكى
وقال أيضًا:
الْخَلْقُ مُخْتَلِفٌ جَواهِرُهُ ... ولَقَلَّ ما تَزْكُو سَرائِرُهُ
ولَقَلًَّ ما تَصْفو طَبائِعُهُ ... ويَصِحُّ باطِنُهُ وظاهِرُهُ
والنّاسُ في الدُّنيا ذُوُو ثِقَةٍ ... والدَّهْرُ مُسْرِعَةٌ دَوائِرُهُ
لا خَيرَ في الدُّنيا لِذي لازَمَنا ... نَفِدَتْ لهُ فيها بَصائِرُهُ
لَو أَنَّ ذِكْرَ الْمَوتِ لازَمَنا ... لَمْ يَنْتَفِعْ بالْعَيشِ ذاكِرُهُ
كَمْ قَدْ ثَكِلْنا مِنْ ذَوي ثِقَةٍ ... ومُعاشِرٍ كُنّا نُعاشِرُهُ
أينَ الْمُلوكُ وأَينَ عِزَّتُهُمْ ... صاروا مَصيرًا أنتَ صائِرُهُ
فَسَبيلُنا في الْمَوتِ مُشَتَركٌ ... يَتْلو أصاغِرَهُ أَكابِرُهُ
مَنْ كانَ عِنْدَ اللهِ مُذَّخِرًا ... فَسَتَسْتَبينُ غَدًا ذَخائِرُهُ
أَمِنَ الْفَناءَ عَلى ذَخائِرِهِ ... وجَرى لَهُ بالسَّعْدِ طائِرُهُ
يا مَنْ يُريدُ الْمَوتِ مُهْجَتَهُ ... لا شَكَّ ما لَكَ لا تُبادِرُهُ
هَلْ أنتَ معْتَبِرٌ بِمَنْ خَرِبَتْ ... مِنْهُ غَداةَ قَضى دَساكِرُهُ
وبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ أسِرَّتُهُ ... وبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ مَنابِرُهُ
وبِمَنْ خَلَتْ مِنْهُ مَدائِنُهُ ... وتَفَرَّقَتْ عَنْهُ عساكِرُهُ