فَلا تَتَكَثَّرْ بِدار الْبِلَى ... فَإِنَّكَ فيها وَحيدٌ فَريدُ
أرى الْمَوْتَ دَيْنًا لَهُ عِلَّةٌ ... فَتِلْكَ الَّتي كُنْتَ مِنها تَحَيدُ
تَيَقَّظْ فإنَّكَ في غَفْلَةٍ ... يَميدُ بِكَ السُّكْرُ فيمَنْ يَميدُ
كَأنَّكَ لَمْ تَرَ كَيْفَ الْفَنا ... وَكَيْفَ يَموتُ الْغُلامُ الْجَليدُ
وكَيْفَ يَموتُ المُسْنُّ الكَبيرُ ... وكَيْفَ يَموتُ الصَّغيرُ الْوَليدُ
ومَنْ يَأْمَنُ الدَّهْرَ في وَعْدِهِ ... ولِلدَّهْرِ في كُلِّ وَعْدٍ وَعيدُ ...
أراكَ تُؤَمِّلُ وَالشَّيْبُ قَدْ ... أَتَاكَ بِنَعْيِكَ مِنْهُ بَريدُ
وتَنْقُصُ في كُلِّ تَنْفيسَةٍ ... وأَنْتَ بِظَنِّكَ فيها تَزيدُ
وإحْسانُ موْلاكَ يا عَبْدَهُ ... إِلَيْكَ مَدى الدَّهْرِ غَضٌّ جَديدُ
تُريدْ مِنَ اللهِ إحسانَهُ ... فَيُعْطَيكَ أكثَرَ ممّا تُريدُ
ومَنْ شَكَرَ اللهَ لَمْ يَنْسَهُ ... ولَمْ ينقَطِعْ عنْهُ مِنْهُ الْمَزيدُ
وما يَكْفُرُ الْعُرْفَ إلاَّ شَقٍيٌّ ... وما يَشكُرُ اللهَ إلا سَعيدُ
وقال رحمه الله:
لِِطائِرِ كُلِّ حادِثَةٍ وُقوعُ ... ولِلدُّنْيا بِصاحِبها وَلُوعُ
تُريدُ الأَمْنَ في دارِ الْبَلايا ... وما تَنْفَكُّ مِنْ حَدَثٍ يَروعُ
وَقَدْ يَسْلو الْمَصائِبَ مَنْ تَغَزَّى ... وَقَدْ يَزْدادُ في الْحُزْنِ الْجَزوعُ
هِيَ الآجالُ والأَقْدارُ تَجْري ... بِقَدْرِ الدَّرِّ تُحْتَلَبُ الضُّروعُ
هِيَ الأَعْراقُ بالأَخْلاقِ تَنْمي ... بِقَدْرِ أُصولِها تَزْكو الْفُروعُ
فَبالأَيّامِ يُحْصَدُ كُلُ زَرْعٍ ... لِيَومِ حَصِادَهِ زُرِعَ الزُّرُوعُ
تَشَهَّى النَّفْسُ والشَّهَواتُ تَنْمي ... فَلَيْسَ لِقَلْبِ صاحِبهِا خُشوعُ
وما تَنْفَكُّ دائِرَةُ بِخَطْبٍ ... وما يَنْفَكُّ جَماعٌ مَنوعُ
مُعَلَّقَةَ بِثُغْرَتِهِ الْمَنايا ... وفَوْقَ جَبينِهِ الأجَلُ الْخَدوعُ