تَبارَكَ مَنْ يَجْري الْفِراقُ بِأمْرِهِ ... ويَجْمَعُ مِنْ شَتَّى عَلى غَيْرِ مَوْعدِ
أيا صاحِ إنَّ الدّارَ دارُ تَبَلُّغِ ... إلى بَرْزَخِ الْمَوْتى وَدارُ تَزَوُّدِ
ألَسْتَ تَرى أنَّ الْحَوادِثَ جَمَّةٌ ... يَروحُ عَلَيْنا صَرْفُهُنِّ وَيَغْتَدي
تَبَلَّغْ مِنَ الدُّنْيا وَنَلْ مِنْ كَفافِها ... ولا تَعْتَقِدْها في ضَميرٍ ولا يَدِ
وكُنْ داخِلاً فيها كَأنَّكَ خارِجٌ ... إلى غَيْرها مِنْها مِنَ الْيَوْمِ أوْ غَدِ
وقال رحمه الله:
كأنَّا وإنْ كُنَّا نِيَامًا عن الرَّدَى ... غَدًا تَحْتَ أحْجَارِ الصَّفَيْحِ المُنَضَّدِ
تُرَجيّ خُلودَ الْعَيْشِ حَيْنًا وَضِلَّةً ... ولَمْ نَرَ مِنْ آبائنِا مِنء مُخَلَّدِ
لَنا فِكْرَةٌ في أَوَّلينا وعِبْرَةٌ ... بِها يَقْتَدي ذُو الْعَقَلِ فيها ويَهْتَدي
ولكنِنَّا نَأْتي الْعَمى وعُيونُنا ... إلَيْهِ رَوانٍ هكَذا عَنْ تَعَمُّدِ
كَأَنّا سَفاهًا لمْ نُصَبْ بِمُصيبَةٍ ... ولَمْ نَرَ مِنًا مَيِّتًا جَوْفَ مُلْحَدِ
بَلى كمْ أخٍ لي ذي صَفاءٍ حَثَوْتُهُ ... عَلى الرَّغْمِ مِنّي مُلْحَدَ الرَّمْسِ بالْيَدِ
أُهيلُ عَلَيْهِ التُّرْبَ مِنْ كُلِّ جانِبِ ... أَرى ذاكَ مِنّي حَقَّ زادِ المُزَوِّدُ
وَقَدْ كُنْتُ أَفْدِيهِ وَأَخْذَرُ نَأْيَهُ ... وَأَفْزَعُ إمَّا بَاتَ غيرَ مُمَهَّدِ
لِكُلِّ أخي ثُكْلٍ عَزاءٌ وأُسْوَةٌ ... إِذا كانَ مِنْ أهْلِ التُّقى في مُحَمِّدِ
ومَنْ يَأْمَنْ الأَيّامَ، أمّا اتٌّساعُها ... فَخَبْلٌ وَأما ضِيقُها فَشُديدُ
وأيُّ بني الأَيّامِ إِلاَّ وعِنْدَهُ ... مِنَ الدِّهْرِ عِلْمٌ طارِفٌ وتَليدُ
يَرى ما يَزيدُ والزِّيادَةُ نَقْصُهُ ... أَلا إنَّ نَقْصَ الشَّيءِ حينَ يَزِيدُ ...
ومِنْ عَجَبِ الدُّنيا يَقينُكَ بالْفَنَا ... وأنَّكَ فيها لِلْبَقاءِ مِريدُ
ألَمْ تَرَ أَنَّ الْحَرْثَ والنَّسْلَ كَلَّهُ ... يَبيدُ ومِنْهُ قائِمٌ وحَصيدُ
لَعَمْري لَقَدْ بادَتْ قُرونٌ كَثيرَةٌ ... وأنتَ كمَا بادَ الْقُرونُ تَبيدُ