وأيْنَ حَمْراؤُها العَلْيَا وزُخْرُفُها ... كَأنها مِن جِنانِ الخُلْدِ عَدْنانُ
قَوَاعِدٌ كُنَّ أَرَكانَ البلادِ فَما ... عَسَى البقاءُ إذا لم تَبْقَ أركانُ
وَالماءُ يَجْرِي بسَاحَاتِ القُصُور بها ... قَدْ حَفَّ جَدوَلَهَا زَهْرٌ وَرَيْحَانُ
وَنهْرُها العَذْبُ يَحْكِي في تَسَلْسُلِهِ ... سُيُوفَ هِنْدٍ لَها في الجوِّ لَمْعانُ
وأينْ جَامِعُها المشْهُوْرُ كَمْ تُلُيَتْ ... فِي كُلِّ وَقُتٍ بِه آي وَفُرْقَانُ
وعَالِمٌ كان فَيه لِلْجَهُولِ هُدَى ... مُدَرِّسٌ ولَه في العِلْمِ تِبْيَانُ ...
وعابِدٌ خاضعٌ لله مُبْتَهِلٌ ... والدَمْعُ منه عَلَى الخَدَّين طُوفَانُ
وأيْنَ مَالِقَةٌ مَرْسَى المراكب كَمْ ... أرْسَتْ بِسَاحَتِهَا فُلْك وغُرْبانُ
وكَم بداخِلِهَا مِن شَاعِرِ فَطِنٍ ... وذِي فُنُونٍ لَهُ حذْقٌ وتِبْيَانُ
وكَمْ بِخَارِجها مِن مَنْزَهٍ فَرِجٍ ... وَجَنَّةٍ حَوْلَهَا نَهْرٌ وبُسْتانُ
وأينَ جَارَتُها الزَّهْرَا وقُبَتَّهُا ... وأينَ يا قَومُ أَبْطَالُ وفُرْسَانُ
وأيْنَ بَسْطةُ دَار الزَّعْفَرِانِ فَهَلْ ... رَآى شَبِيْهَاً لَها في الحُسْنِ إِنسَانُ
وكَمْ شُجَاع زَعِيْمٍ في الوَغَى بَطلٍ ... تَبْكِيْه مِن أَرْضِهِ أهلَّ وَوِلْدَانُ
وَوَادِيَاً مَن غَدَتْ بالكُفْرِ عَامِرةً ... وَرَدَّ تَوْحِيْدَهَا شِرْكٌ وطُغْيَانُ
كذا المَريَّةُ دَارُ الصَّالحِينَ فَكَمْ ... قُطْبٌ بِهَا عَلَمٌ بَحْرٌ له شَانُ
تَبْكِيْ الحَنيفيةُ الَبْيضَاءُ مِن أَسَفٍ ... كما بَكَى لِفِرَاقِ الإِلفِ هَيْمَانُ
حتَّى المحَارِيْب تِبْكِي وهي جَامِدَة ... حتَّى المَنَابرَ تَبْكِيْ وهي عِيْدَانُ
على دِيارٍ مِن الإسلامِ خَالِيةٍ ... قَدْ أقْفَرَتْ ولهَا بالكُفْرِ عُمْرَانُ
حَيْثُ المساجِدَ قَدْ أَمْسَتْ كَنَائِسَ ما ... فيْهِنَّ إِلا نَوِاقِيْس وصُلْبَانُ
يا غافلاً ولَهُ في الدهرِ مَوْعِظَةٌ ... إن كُنْتَ في سِنَةٍ فالدهرُ يَقْظَانُ
وماشيًا مَرحَاً يُلْهِيْهُ مَوْطَنُهُ ... أبَعْدَ حِمْصٍ تَغُرُ المرء أوْطَانُ
تِلْكَ المصُيْبَةُ أنْسَتْ مَا تَقَدَّمَهَا ... ومَالَهَا مَعْ طَوِيْل الدهرِ نِسْيَانُ
يا رِاَكَبِيْنَ عِتَاقَ الخَيْلَ ضَامِرةً ... كَأَنَّهَا في مَجَالِ السَّبْقِ عقْبَانُ
وحِامِلَيْنَ سُيُوفَ الهِنْدِ مُرْهَفَةً ... كَأَنَّها في ظَلامِ الليلِ نِيْرَانُ