الذين دَفَّوا -والدف نوع من أنواع المشي- إلى المدينة وقت عيد الأضحى، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث حتى يتصدقوا على هؤلاء الفقراء ويعطوهم شيئا من اللحم والزاد. فكانت علة النهي عن الادخار هو ما سبق، فلما ذهبت ذهب الحكم، فجوز النبي صلى الله عليه وسلم الادخار بعد ثلاث.
وإنما قيل: إن القاعدة السابقة أغلبية؛ لأن لها استثناءات، وهي ترجع إلى مجموعة أمور:
أولها: ما كان له -يعني الحكم- أكثر من علة؛ فإن انتفاء بعض تلك العلل لا يوجب انتفاء الحكم، كالحدث ببول وغائط؛ فإنه يوجب عدم الصلاة حتى يرتفع الحدث، فلو انتفت علة البول، فلا يعني ذلك جواز مباشرة الصلاة وصحتها؛ لأنه قد يوجد علة أخرى -وهي الغائط- تمنع من الصلاة.
وثانيها: هو الحكم الذي بقي مع انتفاء علته، ومثاله: الرَّمَل، فإن علته إظهار النشاط للكفار، وأن حُمَّى يثرب لم تصب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، غير أن هذه العلة انتفت وبقي الحكم، ويدل عليه فعل النبي صلى الله عليه وسلم للرَّمَل في حجة الوداع.
وثالثها: ما كان الحكم مبنيا على علة ظنية، ومثاله الرخص المتعلِّقة بالسفر، لأنه مظنة المشقة، فإن أحكام الرخص تستمر ولو لم توجد تلك العلة، وهي المشقة لكونها ظنية، قاله شيخ الإسلام -رحمه الله- في "مجموع الفتاوي".