أن يقال به، لأنا نعلم يقيناً أن مقصود المستأجر الذي عقد عليه العقد هو تمكنه من الانتفاع بتربة الأرض وهوائها ومائها وشمسها إلى أن يكمل صلاح زرعه، فمتى زالت منفعة التراب أو الماء أو الهواء أو الشمس لم ينبت الزرع ولم يستوف المنفعة المقصودة بالعقدة، كما لو استأجر داراً للسكنى فتعذرت السكنى بها لبعض الأسباب، مثل خراب حائط أو انقطاع ماء أو انهدام سقف ونحو ذلك.

ولا خلاف بين الأمة إن تعطل المنفعة بأمر سماوي يوجب سقوط الأجرة أو نقصها أو الفسخ وإن لم يكن للمستأجر فيه صنع كموت الدابة وانهدام الدار وانقطاع ماء السماء، فكذلك حدوث الغرق وغيره من الآفات المانعة من كمال الانتفاع بالزرع.

يوضح ذلك أن المقصود المعقود عليه ليس هو مجرد فعل المستأجر الذي هو شق الأرض وإلقاء البذر حتى يقال إذا تمكن من ذلك فقد تمكن من المنفعة جميعها وإن حصل بعده ما يفسد الزرع ويمنع الانتفاع به، لأن ذلك منتقض بانقطاع الماء بعد ذلك، ولأن المعقود عليه نفس منفعة الأرض، وانتفاعه بها ليس هو فعله فإن فعله ليس هو منفعة له ولا فيه انتفاع له بل هو كلفة عليه وتعب ونصب يذهب فيه نفعه وماله، وهذا بخلاف سكنى الدار وركوب الدابة، فإن نفس السكنى والركوب انتفاع وبذلك قد نفعته العين المؤجرة.

وأما شق الأرض فتعب ونصب وإلقاء البذر وإخراج مال، وإنما يفعل ذلك لما يرجوه من انتفاعه بالنفع الذي يخلقه الله في الأرض من الإنبات، كما قال تعالى (سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون) وقال (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب) وقال (فأنبتنا فيها حباً وعنباً وقصباً وزيتوناً ونخلاً) .

وليس لقائل أن يقول: أن إنبات الأرض ليس مقدوراً للمستأجر ولا للمؤجر والمعقود عليه يجب أن يكون مقدوراً عليه، لأن هذا خلاف إجماع المسلمين بل وسائر العقلاء فإن المعقود عليه المقصود بالإجارة لا يجب أن يكون من فعل أحد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015