بما أمر الله به، كما أن حظ العبد عموماً وخصوصاً من الأول العلم بالكونيات والتأثير فيها. أي بموجبها.

فالأولى قدرية كونية، والثانية شرعية دينية، وكشف الأولى العلم بالحوادث الكونية، وكشف الثانية العلم بالمأمورات الشرعية، وقدرة الأولى التأثير في الكونيات، وقدرة الثانية التأثير في الشرعيات، وكما أن الأولى تنقسم إلى تأثير في نفسه، كمشيه على الماء وطيرانه في الهواء، وجلوسه على الناس، وإلى تأثير في غيره بإسقام وإصحاح، وإهلاك وإغناء وإفقار، فكذلك الثانية تنقسم إلى تأثير في نفسه بطاعته لله ورسوله. والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله باطناً وظاهراً، وإلى تأثير في غيره بأن يأمر بطاعة الله ورسوله فيطاع في ذلك طاعة شرعية، بحيث تقبل النفوس ما يأمرها به من طاعة الله ورسوله في الكلمات الدينيات. كما قبلت من الأول ما أراد تكوينه فيها بالكلمات الكونيات.

وإذا تقرر ذلك فاعلم أن عدم الخوارق علماً وقدرة لا تضر المسلم في دينه، فمن لم ينكشف له شيء من المغيبات، ولم يسخر له شيء من الكونيات، لا ينقصه ذلك في مرتبته عند الله. بل قد يكون عدم ذلك أنفع له في دينه إذا لم يكن وجود ذلك في حقه مأموراً به أمر إيجاب ولا استحباب، وأما عدم الدين والعمل به فيصير الإنسان ناقصاً مذموماً إما أن يجعله مستحقاً للعقاب، وإما أن يجعله محروماً من الثواب، وذلك لأن العلم بالدين وتعليمه والأمر به ينال به العبد رضوان الله وحده وصلاته وثوابه، وأما العلم بالكون والتأثير فيه فلا ينال به ذلك إلا إذا كان داخلاً في الدين، بل قد يجب عليه شكره، وقد يناله به إثم.

إذا عرف هذا فالأقسام ثلاثة: إما أن يتعلق بالعلم والقدرة بالدين فقط، أو بالكون فقط.

فالأول كما قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (وقل رب ادخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطاناً نصيراً) فإن السلطان النصير يجمع الحجة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015