إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا " قالوا: وهذه العبارة إنما تستعمل في المباح لا في الواجب كقوله: " ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم " وقوله: " لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة " ونحو ذلك، واحتجوا من السنة بما تقدم من أن النبي صلى الله عليه وسلم حسن لعائشة إتمامها وبما روي من أنه فعل ذلك واحتجوا بأن عثمان أتم الصلاة بمنى بمحضر الصحابة فأتموا خلفه وهذه كلها حجج ضعيفة.

أما الآية فنقول قد علم بالتواتر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان يصلي في السفر ركعتين وكذلك أبو بكر وعمر بعده وهذا يدل على أن الركعتين أفضل كما عليه جماهير العلماء، وإذا كان القصر طاعة لله ورسوله وهو أفضل من غيره لم يجز أن يحتج بنفي الجناح على أنه مباح لا فضيلة فيه، ثم ما كان عذرهم عن كونه مستحباً هو عذر لغيرهم عن كونه مأموراً به أمر إيجاب، وقد قال تعالى في السعي: " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " والطواف بين الصفا والمروة هو السعي المشروع باتفاق المسلمين وذلك إما ركن وإما واجب وإما سنة، وأيضاً فالقصر وإن كان رخصة استباحة المحظور فقد تكون واجبة كأكل الميت للمضطر والتيمم لمن عدم الماء ونحو ذلك، هذا إن سلم أن المراد به قصر العدد، فإن للناس في الآية ثلاثة أقوال: قيل المراد به قصر العدد فقط وعلى هذا فيكون التخصيص بالخوف غير مفيد، والثاني أن المراد به قصر الأعمال فإن صلاة الخوف تقصر عن صلاة الأمن والخوف يبيح ذلك، وهذا يرد عليه أن صلاة الخوف جائزة حضراً وسفراً والآية أفادت القصر في السفر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015