إلا نفسه" 1 وقال –تعالى-: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً} 2 أي: لعبا وباطلا لا لحكمة، وهو منصوب على الحال، أي: عابثين، وقيل: للعبث، أي: لتلعبوا وتعبثوا كما خُلِقَت البهائم لا لثواب ولا عقاب، وهو مثل قوله: {أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً} 3 وإنما خلقتم للعبادة، وإقامة أوامر الله –تعالى- واجتناب نواهيه و" حسبتم: {أَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} 4 في الآخرة لنجازيكم بما عملتم، ولولا ذلك اليوم لما تميَّز المطيع عن العاصي، والصديق عن الزنديق، ويكون هذا الخلق عبثا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
وأول ما يقرع سمعك في المصحف من الأمر -بعد ما بيَّن الله مراتب الخلق بين مؤمن وكافر ومنافق-: {اأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَاداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} 5 وقال –تعالى-: {اعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً} 6 أمر –تعالى- بعبادته وحده لا شريك له، فإنه الخالق الرازق المتفضل على خلقه بآلائه في جميع الحالات، فهو المستحق منهم أن يوحدوه في عبادته لا يشركوا به شيئا من مخلوقاته، كما قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ: "أتدري ما حق الله على العباد؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا. ثم قال: أتدري ما حق العباد على الله إذا هم فعلوا ذلك؟ أن لا يعذبهم" 7.
الاخلاص والاتباع شرطا العبادة
وللعبادة شرطان:
"أحدهما": الإخلاص في العمل لقوله –تعالى-: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 8 أي: الملة المستقيمة، والشريعة المتبعة، وإنما أضاف الدين للقيمة، وهي نعته لاختلاف اللفظين، وأنَّث القيمة ردا إلى الملة، وقيل: القيمة جمع القيم.
واحتجَّ بهذه الآية من قال: الإيمان عبارة عن القول والاعتقاد، والعمل هو الدين؛ لأنه –تعالى- ذكر في هذه الآية مجموع هذه الثلاثة قال: {وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 9 أي: وذلك المذكور دين القيمة؛ لأن الدين هو الإسلام، والإسلام هو الإيمان