منه: "لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، ولولا ذلك لأبرز قبره، غير أنه خَشِيَ أن يُتَّخَذَ مسجدا" 1 متفق عليه وقولها: "خشي" هو بضم الخاء المعجمة تعليلا لمنع إبراز قبره.

نهي النبي عن الجلوس والصلاة على القبور

وأبلغ من هذا أنه نهى عن الصلاة إلى القبر، فلا يكون القبر بين المصلي وبين القبلة، فروى مسلم في صحيحه عن أبي مرثد الغنوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها" 2 وفي هذا إبطال قول مَنْ زعم أن النهي عن الصلاة فيها لأجل النجاسة، فهذا أبعد شيء عن مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم وهو باطل من عدة أوجه:

منها: أن الأحاديث كلها ليس فيها فرق بين المقبرة الحديثة والمنبوشة، كما يقوله المعللون بالنجاسة.

ومنها: أنه صلى الله عليه وسلم لعن اليهود والنصارى على اتخاذ قبور أنبيائهم مساجد، ومعلوم قطعا أن هذا ليس لأجل النجاسة؛ لأن قبور الأنبياء من أطهر البقاع، وليس للنجاسة عليها طريق، فإن الله حرَّم على الأرض أن تأكل أجسادهم، فهم في قبورهم طريون، ومنها أنه نهى عن الصلاة إليها.

ومنها: أنه أخبر أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، ولو كان ذلك لأجل النجاسة لكان ذكر الحشوش والمجازر أولى من ذكر القبور.

ومنها: أنه لعن المتخذين عليها المساجد والسرج، ولو كان ذلك لأجل النجاسة لأمكن أن يتخذ عليها المسجد مع تطيينها بطين طاهر، وهذا باطل قطعا.

وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه، وفهم عن الرسول مقاصده جزم جزما لا يحتمل النقيض أن هذه المبالغة واللعن والنهي ليس لأجل النجاسة، بل هو لأجل الشرك، فإن هذا وأمثاله منه صلى الله عليه وسلم صيان لحمى التوحيد، فأبى المشركون إلا معصية لأمره وارتكابا لنهيه، ومن جمع بين سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبور وما أمر به وما نهى عنه وبين ما عليه أكثر الناس اليوم رأى أحدهما مضادا للآخر،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015