أبو داود بسند صحيح عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس، فجاءه رجل فقال: إنه طلق امرأته ثلاثا، فسكت حتى ظننت أنه سيردها إليه، فقال: "ينطلق أحدكم فيركب الأحموقة، ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، إن الله قال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} 1وإنك لم تتق الله، فلا أجد لك مخرجا، عصيت ربك، وبانت منك امرأتك"، قالوا: ففي هذا دليل على أن من طلق امرأته ثلاثا مجتمعات فقد عصى ربه وفعل ما هو محرم، ومن فعل مباحا لا يقال: عصى ربه.
وقال هؤلاء: يصير مطلقا امرأته ثلاثا، فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، وإن كان فعله هذا محرما عليه.
ومن القائلين بالتحريم للزوم من قال: إذا طلق ثلاثا مجموعة وقعت واحدة، وهو قول محمد بن إسحاق -صاحب المغازي-، ونقله ابن المنذر عن جماعة من التابعين؛ كعمرو بن دينار، وطاووس، وغيرهما.
ومن أقوى ما احتجوا به ما أخرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس قال: "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس استعجلوا في أمر كان لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم"2.
قال أبو عمر بن عبد البر في حديث ابن عباس هذا: لم يتابع عليه طاوس، وأن سائر أصحاب ابن عباس يروي عنه خلاف ذلك، وما كان ابن عباس يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم يخالفه إلى رأي نفسه، بل المعروف عنه أنه كان يقول: أنا أقول لكم: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنتم تقولون: أبو بكر وعمر؟ قاله في فسخ الحج وغيره. قال جمهور العلماء: إن حديث طاوس في قصة أبي الصهباء لا يصح معناه.
وممن روينا عنه أن الثلاث تحرم التي لم يدخل بها زوجها، حتى تنكح زوجا غيره كالدخول سواء: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر،