ما كانوا يعبدونه من تلك الأشخاص التي تألهتها قلوبهم، هذا القول مبني على ما تقدم من كلام أهل الوحدة القائلين: بأن مسمى الله هو الوجود بعينه، فكل شيء يوجد في الخارج فهو الله، وبهذا وسمهم العلماء بأنهم أكفر أهل الأرض.

ثم إنه قال: وإنما أريد منه المفهوم العام المتناول لأفراد المعبود بحق، فجعل المستثنى منه يتناول أفراد المعبود بحق، فجعل للمعبود بحق أفرادا، ولهذا قال سواء كانت في الذهن أو في الخارج، فانظر كيف جعل للمعبود بحق أفرادا، وهذا كفر صريح؛ فإن المعبود بحق هو الله وحده لا شريك له في ذلك، كائنا ما كان.

التوحيد الذي دعا إليه جميع الرسل

ثم يقال: كيف يكون معبوداً بحق، وهو منفي بلا النافية للجنس؟ فإذا انتفت إلهيته بطل أن تكون حقا، وتعين أن المستثنى هو الحق خرج من المنفي بأداة الاستثناء، كما قال -تعالى-: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 1 فهذا هو التوحيد الذي دعت إليه الرسل، ولم يفهم أهل الشرك من دعوة الرسل إلا هذا التوحيد، وهو إفراد الرب -تعالى- بالإلهية كما أخبر -تعالى- عن المشركين أنهم قالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} 2 وأخبر عن قوم هود أنهم قالوا: {أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ} 3.

ولم يقل أحد من الأمم أن المستثنى له أفراد كلها حق، وهذا القول ينافي ما تقدم له في ورقته من قوله: إن المنفي بلا كلي منوي، لا يوجد منه في الخارج إلا فرد واحد وهو المستثنى، وهو يناقض كلامه هنا، مع أنه باطل في نفسه.

فإن قال لنا قائل: المشركون كانوا يعتقدون في آلهتهم أنها حق. قلنا: هذا هو الذي أنكرته الرسل على الأمم؛ فإن الله لم يبعثهم لإبطال ما كان يفعله أهل الشرك مع آلهتهم التي يعبدونها من دون الله، ولم يجحدوا معنى ما دعتهم الرسل إليه، لكن هم لم يتركوا عبادة آلهتهم التي كانوا يعبدونها مع الله، وهؤلاء جحدوا المعنى الذي دلت عليه لا إله إلا الله كما قد عرفت، فخالفوا الرسل والأمم في معنى ما دعت إليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015