فليس المراد بالنفي في كلمة الإخلاص مفهوما، وإنما المنفي بها أعيان المعبودات، وإبطال عبادتها وإزالتها، وجهاد الخلق على أن يكون الله وحده معبودهم، دون كل معبود.
وقد حصل ذلك لما فتح الله على رسوله مكة، فأزال كل صنم حول الكعبة، وهي ثلاثمائة وستون صنما، وبعث علي بن أبي طالب إلى مناة فهدمها، وبعث خالد بن الوليد إلى العزى مرتين، فقطع الشجرة، وهدم البناء.
ولما أسلم أهل الطائف بعث المغيرة بن شعبة فهدم اللات، فلم يبق في جزيرة العرب من الأصنام والأوثان شيء إلا أزاله صلى الله عليه وسلم وقد بعث جرير بن عبد الله إلى ذي الخلصة فهدمه، فصارت كلمة الله هي العليا.
فلله الحمد على ما أكمل للأمة من دينه الذي بعث به رسوله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو بعرفة: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} 1 كما صرح به القرآن في هذه الآيات ونحوها. وهذه الأصنام ونحوها هي التي تجب البراءة منها، ومن عابديها؛ لقول الخليل -عليه السلام- {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلا الَّذِي فَطَرَنِي} 2 الآية، فتبرأ مما كانوا يعبدون بالقول والفعل، ولم يكونوا يعبدون مفهوما محله الذهن، وقال -تعالى-: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} 3 إلى قوله: {وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} 4.
فمن قال: إن المستثنى منه مفهوم عام فقد خالف الكتب والرسل، ولم يدر ما معنى هذه الكلمة العظيمة، ثم إن هذا القول منه يقتضي أن هذه الأصنام والأوثان التي يعبدها المشركون ليست منتفية بكلمة الإخلاص، فيلزمه أن تكون تلك الأوثان والأصنام ثابتة غير منتفية، إذا كان النفي مفهوما عاما فغيره على قوله، ولم ينف هذا -لم يقل به- إلا أهل الاتحاد خاصة.
وأما طوائف أهل الشرك فهم يعتقدون أن الرسل إنما نهتهم عن عبادة