-تعالى- وعظمته، إثباتا بلا تمثيل، وتنزيها بلا تعطيل، كما قال -تعالى-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 1.
وأما أهل البدع فألحدوا في هذا التوحيد؛ فمنهم من نفى ما دلت عليه الصفات من كمال الرب، ومنهم من تأولها تأويلات بعيدة تخالف ما دلت عليه من المعاني المعروفة في اللغة، ولسان الشرع، والفطر والعقول الصحيحة.
فتدبر -أيها الطالب للعلم والهدى- والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، إذا عرفت ذلك، وتميز الحق من الباطل عند من طالع في هذا الجواب، فليعلم أن أهل السنة والجماعة لا يطلقون على الله -تعالى- لفظ الجهة؛ لعدم وروده في الكتاب والسنة، وإنما يطلقون على الله -تعالى- ما ورد، فيقولون: إنه -تعالى- استوى على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته، ويقولون: إنه فوق العرش، وأنه على عرشه -تعالى- وتقدس، ويثبتون له العلو من جميع الجهات، علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات، ولا يبخسونه واحداً منها، كما قال -تعالى-: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} 2 وهذا في عدة مواضع من القرآن.
فلله الحمد لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يثني عليه خلقه.
الزعم بأن الإله في كلمة التوحيد كلي مطلق
وأما قوله: "إن لا إله إلا الله إنما نفت كليا في الذهن، لا يوجد منه في الخارج إلا فرد، وهو المستثنى" فهذا تحريف فاسد لمعنى كلمة الإخلاص، لم يسبقه إليه أحد من مشركي الأمم، ولا يقدر أحد على هذا التحريف الذي لا أفسد منه، فإن "لا" إنما وضعت لنفي أفراد الجنس الموجودة في الخارج، ولم توضع لمقدرات الذهن التي لا يوجد لها أفراد، وهذا أمر معروف بالضرورة. واليهود الذين وصفهم الله -تعالى- بكونهم يحرفون الكلم عن مواضعه لا يقدر أحد منهم على مثل هذا التحريف، الذي هو من أعظم التحريف وأبعده عن الإسلام والإيمان، والرسل والكتب،