حُجَج الرب -تبارك وتعالى- على بطلان ما نسبه إليه أعداؤه المفترون التي هي كالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، فإذا وازنت بينها ظهرتْ لك الفاصلةُ إن كنت بصيرا: {وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} 1 انتهى.
[تفسير وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء]
(وأما المسألة الثانية) عن قوله تعالى: {وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ} 2 الآية، فقد أشكل معناها على كثير من المفسرين، فزعموا أن المعنى: نفي اتباعهم شركاء فجعلوا (ما) نافية و (شركاء) مفعول يتبع، أي: لم يتبعوا في الحقيقة شركاء، بل هم عباد مخلوقون مربوبون، والله هو الإله الحق لا شريك له. وأما ابن جرير فقرر أن (ما) في هذا المحل استفهامية لا نافية قال -رحمه الله-: ومعنى الكلام أيّ شيءٍ يَتَّبِعُ مَن يقول: لله شركاء في سلطانه وملكه كاذبا؟ والله المتفرد بملك كل شيء في سماء كان أو أرض،: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} 3 يقول: ما يتبعون في قيلهم ذلك إلا الظن، يقول: إلا الشك لا اليقين: {وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} 4 انتهى. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ظن طائفة أن (ما) هاهنا نافية، وقالوا: ما يدعون من دون الله شركاء في الحقيقة، بل هم غير شركاء، وهذا خطأ، ولكن (ما) هاهنا حرف استفهام، والمعنى: وأيّ شيء يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء؟ ما يتبعون إلا الظن، وإن هم إلا يخرصون. ف"شركاء": مفعول يدعون، لا مفعول يتبع؛ فإن المشركين يدعون من دون الله شركاء، كما أخبر عنهم بذلك في غير موضع، فالشركاء موصوفون في القرآن بأنهم يُدْعَوْنَ من دون الله، ولم يوصفوا بأنهم يُتَّبعون، فإنما الأئمة الذين كانوا يَدَّعُونَ هذه الآية، ولهذا قال بعدها: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ} 5 ولو أراد