أو بدعيا، لأن الكافر لا يرى الحكم والإسلام إذ هي أحكام شرعية لا يقول بها إلا أهل الشريعة، وأما المسلم فلا يتصور أن يكفر صلحاء أهل ملته ودينه، وكذلك السني والبدعي كل منهما يدعي موالاة صلحاء الأمة، ويرى أنهم هم أسلافه وأئمته، وكل طائفة تدعي موالاة الصلحاء والبراءة من الفساق ونحوهم. وأما إن كان قصد السائل من يكفر معينا من هذه الأمة، فعليه أن يعبر بغير هذه العبارة الموهمة، والمجيب عليه أن يستفصل لأن ترك الاستفصال فيه إيهام، ولا شك أن تكفير بعض صلحاء الأمة ممكن الوقوع، بل قد وقع من الخوارج وغيرهم من أهل البدع فيقال حينئذ: إن كان المكفر لبعض صلحاء الأمة متأولا مخطئا، وهو ممن يسوغ له التأويل، فهذا وأمثاله ممن رفع عنه الحرج والتأثيم لاجتهاده، وبذل وسعه كما في قصة حاطب بن أبي بلتعة، فإن عمر رضي الله عنه وصفه بالنفاق، واستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" 1. ومع ذلك فلم يعنف عمر على قوله لحاطب: إنه قد نافق، وقد قال الله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا} 2، وقد ثبت أن الرب -تبارك وتعالى- قال بعد نزول هذه الآية وقراءة المؤمنين لها: قد فعلت. وأما إن كان المكفر لأحد من هذه الأمة يستند في تكفيره له إلى نص وبرهان من كتاب الله وسنة نبيه، وقد رأى كفراً بواحا كالشرك بالله وعبادة ما سواه، والاستهزاء به تعالى، أو بآياته، أو رسله، أو تكذيبهم، أو كراهة ما أنزل الله من الهدى ودين الحق، أو جحد صفات الله تعالى ونعوت جلاله ونحو ذلك، فالمكفر بهذا وأمثاله مصيب مأجور، مطيع لله ورسوله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015