لا يعرف الفضل إلا ذووه، ولو عرف هذا الرجل الفضل وأهله والعلم ومحله، لأحجم عن هذا الهذيان. وقد نقل لنا عن بعض هؤلاء الستة الذين سماهم واختارهم ما يقتضي -إن صح- أن يحكم على صاحبه بأنه من المعطلة الضالين. ويقال أيضاً: هذه الدعوى قد ادعاها كل أحد لشيخه ومتبوعه: فادعتها الجهمية والقدرية والخوارج والمعتزلة والروافض والنصيرية ونحوهم من كل مبتدع ضال؛ فكل أحد يدعي أن شيخه وإمامه أولى بالعلم والإيمان من خصومه، والدعاوى المجردة لسنا منها في شيء. وقد قال تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} 1، فإسلام الوجه لله هو عبادته، والكفر بعبادة من سواه، وهذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله. وهذه الكلمة تتضمن العلم والعمل مع القول، فلا يكتفى ببعض ذلك بل لا بد من العلم والعمل والشهادة. وأما الإحسان فهو أن تعبد الله بما شرع، لا بالأهواء والبدع. وهذا هو حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله، فإنها تقتضي، وتتضمن وجوب متابعته، وتحريم معصيته، وأن السير إلى الله من طريقه ومحجته، وهذا هو حقيقة اتباع الرسول والشهادة له بالرسالة والدين، كل يدخل في هذه الجملة الشريفة، وبسط الكلام عليها يستدعي أسفاراً.

[أنواع التكفير للمسلمين وحكم كل منها]

والسؤال الذي أجاب عنه هذا الرجل في رسالتهِ، يلزم المفتي، ويجب عليه التفصيل في جوابه، ولا يجوز له إطلاق القول، لأن الحكم يختلف باختلاف الحال، وإطلاق القول بتكفير كل صالح من صلحاء الأمة من غير تعيين يدخل فيه كل موصوف بهذه الصفة من حين مبعثه صلى الله عليه وسلم إلى يوم الدين. وما أظن هذا يقع من عاقل يتصور ما يقول مسلما كان أو كافراً، سنيا كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015