وتصغر في جنبه كل المحن والمصيبات، فما مضت فتنة إلا إلى ما هو من أكبر الشرك والكُفْرِيَّات. ومع ذلك فكثير من الناس قد التبس عليه الأمر، وخفي عليه المخرجُ والحكمُ، وكثر الخوضُ والاعتراضُ من بعض مَن ينتسب إلى القراءة ويَدَّعِي الفهم والطلب، واتبع جمهور أولئك ما يَهْوَاه من غير بينة ولا سلطان، ولا يتهم أحد رأيه، ولم يرجع إلى المُحَاقَّة والفكرة، حتى انهدم بنيان الإسلام، ولم يستوحش الأكثرون من ولاية عباد الأوثان والأصنام. وما أحسن ما قال سهل بن حنيف فيما رواه البخاري قال: حدثنا الحسن بن إسحاق ثنا محمد بن سابق ثنا مالك بن مغول قال: سمعت أبا حصين قال: قال ابن وائل: لما قدم سهل بن حنيف من صفين نَسْتَخْبِره فقال: اتهموا الرأي فقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أستطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لرددت، والله ورسوله أعلم، وما وضعنا أسيافنا عن عواتقنا إلا أسهل بنا إلى أمر لا نعرفه قبل هذا الأمر، وما نَسُدُّ منها خصمًا إلا انفجرَ خصمٌ ما ندري كيف نأتي له. وأما السؤال عمن يسافر إلى بلد المشركين التي يعجز فيها عن إظهار ما وجب لله من التوحيد والدين، ويعلل بأنه لا يُسَلِّمُ عليهم ولا يجالسهم، ولا يبحثونه عن سره، وأنه يقصد التوصل إلى غير بلاد المشركين، ونحو ذلك من تعاليل الجاهلين. فاعلم أن تحريم ذلك السفر قد اشتهر بين الأئمة، وأفتى به جماهيرهم، وما ورد من الرخصة محمول على مَن يقدر على إظهار دينه أو على ما كان قبل الهجرة. ثم إن الحكم قد أُنِيطَ بالمُجَامعة والمُسَاكنة، وإن لم يحصل سلام ولا مجالسة، ولا بحث عن سره، كما في حديث سمرة: " من جامع المشرك وسكن معه فإنه مثله " 1.فانظر ما علق به الحكم من