المؤمنين، فتنة لا يصل إليها حديث ولا قرآن1، ولا يرعوي أبناؤها عما يهدم الإسلام والإيمان؛ يعرف ذلك مَنْ منَّ الله عليه بالعلم والبصيرة، وصار على حظ من أنوار الشريعة المطهرة المنيرة، وصار على نصيب من مراقبة عالم السر والسرائر. وقد عرفتم مبنى هذه الفتنة وأولها والحكم في أهلها وجندها، ثم صار لهم دولة بالغلبة والسيف، واستولوا على أكثر بلاد المسلمين وديارهم، وصارت الإمامة لهم بهذا الوجه، ومن هذا الطريق كما عليه العمل عند كافة أهل العلم من أهل الأمصار في أعصار متطاولة. وأول ذلك ولاية آل مروان لم تصدر لا عن بيعة، ولا رأي، ولا عن رضى من أهل العلم والدين، بل بالغلبة، حتى صار على ابن الزبير ما صار، وانقاد لهم سائر أهل القرى والأمصار. وكذلك مبدأ الدولة العباسية ومخرجها من خراسان وزعيمها رجل فارسي مُدَّعِي؛ أيامهم صَالَ على مَن يَلِيهِ ودعا إلى الدولة العباسية وشَهَرَ السيف، وقتل مَن امتنع عن ذلك وقاتل عليه، وقتل ابن هبيرة أمير العراق، وقتل خلقا كثيرا لا يحصيهم إلا الله؛ وظهرت الرايات السود العباسية وجاسوا خلال الديار قتلا ونهبا في أواخر القرن الأول. وشاهد ذلك أهل القرن الثاني والثالث من أهل العلم والدين وأئمة الإسلام، كما لا يخفى على من شم رائحة العلم، وصار على نصيب من معرفة التاريخ وأيام الناس. وأهل العلم مع هذه الحوادث متفقون على طاعة من تغلب عليهم في المعروف، يرون نفوذ أحكامه وصحة إمامته لا يختلف في ذلك اثنان، ويرون