لكنه يكون مباركا أينما كان، داعيا إلى الله مذكرا به هاديا إليه، كما قال عن المسيح -عليه السلام-: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} 1 أي: داعيا إلى الله مذكرا به معلما بحقوقه. فهذه هي البركة المشار إليها، ومن عدمها محقت بركة عمره وساعاته وخلطته ومجالسته، ونسأل الله العظيم لنا ولكم علما نافعا، يكون لنا لديه يوم القيامة شافعا. أسأل الله العظيم أن يغفر زلتي، ويقبل توبتي، ويقيل عثرتي، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
وله أيضا -قدس الله روحه، ونور ضريحه، وعفا عنه- رسالة إلى عبد الله بن معيذر، وكان قد بلغ الشيخ أنه يشتغل بكتاب الإحياء للغزالي، ويقرأ فيه عند العامة؛ وكان كتاب الإحياء مشتملا على ما يمج سماعه من التحريفات الجائرة، والتأويلات الضالة الخاسرة، وإن كان فيه بعض المباحث المستحسنة، لكن فيه من الداء الدفين، والفلسفة في أصل الدين، ما تنفر منه طباع الموحدين، ويخاف منه على ضعفاء البصائر من العامة والجاهلين، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى أصحابه صلاة دائمة مستمرة إلى يوم الدين. وبعد، فإني رأيت بعض أهل وقتنا يشتغل بكتاب الإحياء للغزالي عند العامة، وهو لا يحسن فهم معانيه، ولا يعرف ما تحت جمله ومبانيه، ليست له أهلية في تمييز الخبيث من الطيب، ولا دراية بما تحت ذلك البارق