حول دمشق، ويجتمع بأميرهم، ويأمره وينهاه، ويرى في خروجه عندهم أشياء من المنكرات، وقد أراد بعض الأفاضل ممن صحبه في إحدى تلك المرات أن ينكر على جماعة منهم ما رأوه يدور بينهم من كاسات الخمر، فقال له الشيخ: لا تفعل؛ إنهم لو تركوا هذا لزاد شرهم على المسلمين وجرمهم.
[مبادأة الكافر بالسلام]
وأما البداءة بالسلام فلا ينبغي أن يبدأ الكافر بالسلام، بل هو تحية أهل الإسلام، لكن إن خاف مفسدة راجحة، وفوات مصلحة كذلك، فلا بأس بالبداءة لا سيما من ينتسب إلى الإسلام، ولكن يخفى عليه شيء من أصوله وحقوقه. وقد كان صلى الله عليه وسلم يأتي المشركين من العرب في منازلهم أيام الموسم، ويدعوهم إلى توحيد الله وترك عبادة ما سواه، وأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويتلو عليهم القرآن، ويبلغهم ما أمر بتبليغه مع ما هم عليه من الشرك والكفر والرد القبيح، لما في ذلك من المصلحة الراجحة على مصلحة الهجر والتباعد. والهجر إنما شرع لما فيه من المصلحة وردع المبطل، فإذا انتفى ذلك، وصار فيه مفسدة راجحة فلا يشرع. ومن تأمل السيرة النبوية والآثار السلفية يعرف ذلك، ويتحققه. وقد أمر الله بالدعوة إليه على بصيرة قال -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ} 1، وقال -تعالى-: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ} 2. والجهاد بالحجة والبيان يقدم على الجهاد بالسيف والسنان. وقد مرصلى الله عليه وسلم على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمنافقين واليهود، وفيه عبد الله بن أُبَيّ رأس المنافقين، فسلم صلى الله عليه وسلم ونزل عن دابته، ودعاه إلى الإسلام، وذلك حين ذهب إلى سعد بن عبادة يعوده في منْزله، والقصة مشهورة. وكثير من العلماء يبتلى بخلطة هذا الضرب من الناس