وتُسمَّى هذه المسألة مسألة الظّفر:
أحدها: أنّه ليس له أن يخون مَن خانه، ولا يجحد مَن جحده، ولا يغصب مَن غصبه. وهذا مذهب أحمد ومالك.
والثّاني: يجوز أن يستوفي قدر حقّه إذا ظفر بماله سواء ظفر بجنسه أو بغير جنسه، وفي غير الجنس يدفعه إلى الحاكم ببيعه ويستوفي ثمنه منه. وهذا قول أصحاب الشّافعي.
والثّالث: يجوز له أن يستوفي قدر حقّه إذا ظفر بجنس ماله، وليس له أن يأخذ من غير الجنس. وهذا قول أصحاب أبي حنيفة.
والرّابع: إن كان عليه دين لغيره لم يكن له الأخذ، وإن لم يكن عليه دين فله الأخذ. وهذه إحدى الرّوايتين عن مالك.
والخامس: إن كان سبب الحقّ ظاهراً كالنّكاح والقرابة وحقّ الضّيف جاز للمستحقّ الأخذ بقدر حقّه، كما أذن فيه النَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ لهند أن تأخذ من مال أبي سفيان ما يكفيها ويكفي بنيها، وكما أذن لِمَن نزل بقومٍ ولم يضيّفوه أن يعقبهم في مالهم بمثل قراه كما في الصّحيحين عن عقبة بن عارم قال: قلت للنَّبِيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ: إنّك تبعثنا فنَنْزل بقومٍ لا يقروننا فما ترى؟ فقال لنا: "إن نزلتم بقومٍ فأمروا لكم بما ينبغي للضّيف فاقبلوا، وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حقّ الضّيف الذي ينبغي لهم".
وإن كان سبب الحقّ خفيّاً بحيث يتّهم بالأخذ والنّسبة إلى الخيانة ظاهراً لم يكن له الأخذ، وتعريض نفسه للتّهمة والخيانة، وإن كان في الباطن آخذاً حقّه كما أنّه ليس له أن يتعرّض للتّهمة التي تسلّط النّاس على عرضه، وإن ادّعى أنّه محقّ غير متّهم. قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: وهذا القول أصحّ الأقوال وأسدّها وأوفقها للقواعد الشّرعية، وبه تجتمع الأحاديث؛ فإنّه قد