إلا الله، وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما يحبه الله، وما أحبه مما يكرهه الله، قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُم} 1.
قال لَيْثُ بنُ سَعْدٍ عن مُجَاهِد في قوله تعالى: {لا يُشْرِكُونَ} 2 قال: "لا يحبون غيري". وفي "صحيح الحاكم" عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب الذرة على الصفا 3 في الليلة الظلماء وأدناه أن يحب على شيء من الجور أو يبغض على شيء من العدل".
وهل الدين إلا الحب والبغض؟ قال الله عز وجل {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 4.
وهذا نص في أن محبة ما يكرهه الله وبغض ما يحبه متابعة للهوى، والموالاة على ذلك والمعاداة عليه من الشرك الخفي. وقال الحسن: "اعلم أنك لن تحب الله حتى تحب طاعته".
وسُئل ذو النُّون: متى أحب ربي؟ قال: "إذا كان ما يبغضه عندك أمرَّ من الصبر". وقال بِشْرُ بنُ السَّرِيِّ: "ليس من أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك". وقال أبو يعقوب النَّهرَجورِيُّ: "كل من ادَّعى محبة الله ولم يوافق الله في أمره فدعواه باطلة". وقال رُوَيْم: "المحبة: الموافقة في جميع الأحوال". وأنشد:
ولو قلت لي: مِتْ, مِتُّ سمعا وطاعة ... وقلت لداعي الموت: أهلا ومرحبا
ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} 5 قال الحسن: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنا نحب ربنا حبا شديدا، فأحب الله أن يجعل لحبه علما فأنزل الله هذه الآية".
ومن هنا يُعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن مُحَمَّدًا رسول الله، فإذا علم أنه لا يتم محبة الله إلا بمحبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه، فلا طريق إلى معرفة ما يحبه وما يكرهه إلا من طريق الرسول، فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله.