وقولكم: أفيدونا بالكلام عليها. فلست أهلا لذلك؛ لأن علمي لم يصل إلى ذلك، "وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، لكن ما لا يدرك كله لا يترك كله. ونذكر قبل الشروع في المرام، مقدمة في فضل العلم لتكون له كالتمام: وقد ورد في فضل العلم آيات كثيرة، وأخبار صحيحة شهيرة، وله آداب وشروط، من أهمها الإخلاص لله تعالى في طلبه.
قال الإمام عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي في شرحه على الأربعين النووية المسمى "جامع العلوم والحكم": وقد ورد الوعيد على تعلم العلم لغير وجه الله -تعالى- كما خرج الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله -تعالى-1 لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عَرْف الجنة 2 يوم القيامة". وخرج الترمذي من حديث كعب بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من طلب العلم ليماري به السفهاء، أو يجاري به العلماء، أو ليصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار"3 وخرجه ابن ماجه بمعناه. وجاء من حديث جابر: "لا تتعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتتخيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار" اهـ.
وقال الشهاب أحمد بن حجر العسقلاني في شرح الأربعين النووية عند قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فإنما أهلك الذين من قبلكم"4 الحديث: إن كثرة السؤال من غير ضرورة مشعر بالتعنت أو مفض إليه، وهو حرام. وقد نهى الشارع عن قيل وقال وكثرة السؤال اهـ.
وقال في الإحياء: حقيقة الإخلاص أن كل شيء يتصور أن يشوبه غيره، فإذا صفا عن شوبه وتخلص عنه يسمى خالصا، ويسمى الفعل المخلص المصفى، والتصفية إخلاصا، قال الله تعالى: {مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا} 5 فإذا خلص الفعل عن الرياء كان لله خالصا اهـ.