عبادة غير الله، فإذا تحقق الإنسان ذلك عرف الحق، ولم يبال بمخالفة أكثر الناس، ويعتقد أن الأمة لا تجتمع على ضلالة.
فإن قال هذا المجادل: إن هذه الأمور التي تفعل عند القبور جائزة شرعا، فهو محاد لله ورسوله، فإن قال: هذه الأمور ما تجوز لكنها ليست بشرك، مع دعواه أن علماء الزمان أجمعوا على ذلك، فيلزمه أن الأمة أجمعت على ضلالة، والإنسان إذا تبين له الحق لم يستوحش من قلة الموافقين وكثرة المخالفين لا سيما في هذا الزمان.
وقول الجاهل: لو كان هذا حقا ما خفي على فلان وفلان، هذه دعوى الكفار في قولهم {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ} 1، {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} 2. وقد قال علي رضي الله عنه "اعرف الحق تعرف أهله".
وأما الذي في حيرة ولبس، فكل شبهة تروج عليه، فلو أن أكثر الناس اليوم على الحق لم يكن الإسلام غريبا، وهو والله اليوم في غاية الغربة. ولما ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- الشرك وظهوره قال: فما أعز من يخلص من هذا، بل ما أعز من لا يعادي من أنكره، يعني ما أقل من لا يعادي من أنكره.
وهذا قوله في زمانه، ولا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد نقلنا في الأوراق التي كتبنا وهي عندكم طرفا من كلام العلماء في أنواع الشرك.
ومن ذلك قول الشيخ تقي الدين -رحمه الله تعالى-: "من جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع ودفع المضار، فهو كافر بإجماع المسلمين".* انتهى. وهذا الذي يفعل عند هذه المشاهد، وهذا أظهر أمور الدين، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} 3. نسأل الله أن يهدينا صراطه المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
آمين، وصلى الله على محمد.