شيئين كالذي لا يجزم بصدق الرسول ولا كذبه، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه، ونحو ذلك كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة، ولا عدم وجوبها، أو لا يعتقد تحريم الزنى، ولا عدم تحريمه، وهذا كفر بإجماع العلماء. ولا عذر لمن كان حاله هكذا بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته، لأنه لا عذر له بعد بلوغها له وإن لم يفهمها 1. وقد أخبر الله عن الكفار أنهم لم يفهموا فقال: {وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا} 2، وقال: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} 3.
فبين -سبحانه- أنهم لم يفقهوا فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا، بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار كما في قوله -تعالى-: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا} 4 الآية.
[من قال إن من عجز عن معرفة الحق بعد النظر فهو معذور بكفره]
قال الشيخ أبو محمد موفق الدين بن قدامة -رحمه الله تعالى- لما أنجز كلامه في مسألة: هل كل مجتهد مصيب أم لا؟، ورجح أنه ليس كل مجتهد مصيبا، بل الحق في قول واحد من أقوال المجتهدين. قال: وزعم الجاحظ أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر فعجز عن درك الحق فهو معذور غير آثم 5 ... إلى أن قال: وأما ما ذهب إليه الجاحظ فباطل يقينا، وكفر بالله -تعالى- ورد عليه وعلى رسوله، فإنا نعلم قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتباعه، وذمهم على إصرارهم، وقاتل جميعهم 6 يقتل البالغ منهم. ونعلم أن المعاند العارف ممن يقل، وإنما الأكثر مقلدة