[مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه ليس بمسقط القتال]

وأما كلام الحنابلة، فصرحوا بأن أهل البلد إذا تركوا الأذان والإقامة قوتلوا؛ أي: قاتلهم الإمام، أو نائبه حتى يفعلوهما. وكذا قالوا في صلاة الجماعة يقاتل تاركها، وكذا قالوا في صلاة العيد يقاتل أهل بلد تركوها، وكذا قالوا في قتال مانعي الزكاة، وأن الواجد إذا امتنع من أداء الزكاة، ولم يمكن أخذها منه قهرا، قتل بعد الاستتابة.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "كل طائفة ممتنعة عن التزام شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة، فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه، وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين، وملتزمين بعض شرائعه، كما قاتل الصديق رضي الله عنه مانعي الزكاة، وعلى ذلك اتفق الفقهاء بعدهم بعد سابقة مناظرة عمر لأبي بكر -رضي الله عنهما-، فاتفق الصحابة -رضي الله عنهم- على القتال على حقوق الإسلام، عملا بالكتاب والسنة.

وكذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من عشرة أوجه الحديث عن الخوارج، وأخبر أنهم شر الخلق والخليقة، مع قوله: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم"1، فعلم أن مجرد الاعتصام بالإسلام مع عدم التزام شرائعه، ليس بمسقط القتال. فالقتل واجب حتى يكون الدين كله لله، وحتى لا تكون فتنة، فمتى كان الدين لغير الله فالقتال واجب. فأيما طائفة ممتنعة امتنعت من بعض الصلوات المفروضة، أو الصيام، أو الحج، أو عن التزام تحريم الدماء والأموال، والخمر والميسر، ونكاح ذوات المحارم، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، أو غير ذلك من التزام واجبات الدين، أو محرماته التي لا عذر لأحد في جحودها، أو تركها التي يكفر الواحد بجحودها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها، وإن كانت مقرة بها. وهذا مما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء. وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة إذا أصروا على ترك بعض السنن كركعتي الفجر، والأذان، والإقامة عند

طور بواسطة نورين ميديا © 2015