ذلك، والمتعين على الإنسان معرفة الحق بدليله، فإذا عرف الحق بالأدلة الشرعية عرض أعمال الناس عليه، فما وافق الحق عرفه وقبله، وما خالفه رده، ولا يغتر بكثرة المخالف.

قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أترى أننا نظن إنك على الحق، وفلانا على باطل؟ فقال علي: ويحك يا فلان، إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله. وقد سبق كلام ابن القيم في وصفه أهل زمانه:

[من له بصيرة بالحق لم يغتر بكثرة المخالف]

وقوله: "غلب الشرك على أكثر النفوس، لظهور الجهل، وخفاء العلم، وصار المعروف منكرا والمنكر معروفا، والسنة بدعة والبدعة سنة، ونشأ في ذلك الصغير وهرم عليه الكبير، وطمست الأعلام، واشتدت غربة الإسلام، وقلّ العلماء، وغلب السفهاء"؛ هذا وصفه لزمانه، فما ظنك بأهل زمان بعده بخمسمائة عام؟ لأنه "لا يأتي عام إلا والذي بعده شر منه" بخبر الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، مع قوله: "لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة"1، مع أننا قد سمعنا وبلغنا عن كثير من علماء الزمان إنكار هذه الأمور المبتدعة الشركية. سمعنا من ناس في الحرمين واليمن، وبلغنا عن أناس في مصر والشام إنكار هذه المحدثات، لكن همتهم تقصر عن إظهار ذلك؛ لأن عمارة هذه المشاهد الشركية أكثرها من تحت أيدي ولاة الأمور، وأهل الدنيا، ووافقهم على ذلك وزينه لهم علماء السوء، بسبب ذلك استحكم الشر وتزايد، والشر في زيادة والخير في نقصان.

وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هلكت بنو إسرائيل على يدي قرائهم وفقهائهم، وستهلك هذه الأمة على يدي قرائها وفقهائها". فما أصدق قول عبد الله بن المبارك رحمه الله:

وهل أفسد الدين إلا الملو ... ك وأحبار سوء ورهبانها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015