فهذا الذي ذكر الشيخ -رحمه الله- إجماع المسلمين على أن مرتكبه مشرك كافر يقتل، هو الذي زعم داود البغدادي أنه جائز، بل زعم أن الله أمر به؛ وأنه معنى الوسيلة التي أمر الله بها في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} 1.
وزعم أن الوسيلة التي أمر الله بها أمر إيجاب أو استحباب بطلب الحاجات، وتفريج الكربات من الأموات والغائبين.
وزعم أن الشرك هو السجود لغير الله فقط، وأن دعاء الأموات والغائبين والتقرب إليهم بالنذور والذبائح ليس بشرك، بل هو مباح. ثم زاد على ذلك بالكذب على الله، وعلى رسوله، وزعم أن الله أمر بذلك وأحبه. لم يقتصر على دعوى إباحة ذلك، بل زعم أن الله أمر عباده المؤمنين أن يقصدوا قبور الأموات، ويسألونهم قضاء حاجاتهم، وتفريج كرباتهم، فسبحان الله! ما أجرأ هذا على الافتراء، والكذب على الله!
فلو أن إنسانا ادعى إباحة بعض صغائر الذنوب، كأن يزعم أنه يباح للرجل تقبيل المرأة الأجنبية لكان كافرًا بإجماع المسلمين، وإن زاد على ذلك بأن قال: إن الله يحب ذلك ويرضاه، فقد ازداد كفرا على كفره، فكيف بمن زعم أن الله أباح الشرك الأكبر؟ ثم زاد على ذلك بأن قال: إن الله أمر به، وأحب من عباده المؤمنين أن يسارعوا إليه؟ ما أعظم هذه الجراءة!
وكلام شيخ الإسلام في هذه المسألة كثير، لا يخلو غالب مصنفاته من الكلام عليها. وذكر -رحمه الله- عن بعض علماء عصره أنه قال: هذا من أعظم ما بينته لنا*.
وذكر -رحمه الله- في الرسالة السنية، لما ذكر حديث الخوارج قال: وإذا كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قد مرق من الدين مع عبادته العظيمة، فليعلم أن المنتسب إلى الإسلام في هذا الزمان قد يمرق أيضا، وذلك بأمور: منها الغلو الذي